للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قالوا: لأنه يمكن أن يكون شربها مكرهًا أو في مخمصة، أو أنه لم يعلم أنها مسكرة، فلما علمها مجها، أو شرب لغصة بقدر ما يسيغها.

والرائحة مع ذلك محتملة لا يلزم منها الشرب، فقد تكون من الخمر، وقد تكون من غيره، فإن الروائح قد تتفق، ومثل هذه الأمور تورث شبهة، والحد لا يقام مع وجود الشبهة.

والقول الثاني: أنه يثبت الحد بالرائحة أو القيء، وهذا مذهب مالك وأصحابه، والرواية الثانية عن أحمد، وهو اختيار ابن القيم (١).

واستدلوا على القيء بحديث الباب، قالوا: لأن عثمان - رضي الله عنه - أقام الحد على الوليد بالقيء، لقوله: (إنه لم يتقيأها حتى شربها).

وأما إقامة الحد بالرائحة فدليله ما ثبت في "الصحيحين" واللفظ للبخاري بإسناده إلى علقمة قال: كنا بحمص فقرأ ابن مسعود - رضي الله عنه - سورة يوسف، فقال رجل: ما هكذا أُنزلت، فقال: قرأتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أحسنتَ، ووجد منه ريح خمر، فقال: أتجمع أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟ فضربه الحد (٢).

والذي يظهر -والله أعلم- هو القول الأول، وهو أن الحد لا يقام بمجرد القيء ولا الرائحة؛ لأن قاعدة الشريعة المطردة المجمع عليها درء الحد بالشبهة، وما يتوارد من الشبه في موضوع الرائحة والقيء شبهة محتملة، كشبهة الاشتباه، وشبهة النسيان، وشبهة الإكراه، وشبهة الجهل ونحو ذلك. فيمكن وقوعها، فإن الروائح قد تتفق، وقد يكون لديه عصير أو نبيذ قد تخمر فنسي تخمره وشربه … ونحو ذلك.

لكن إن وجد قرينة أخرى تنفي الشبهة وتبعد الاحتمال ويقنع بها القاضي، فإنه يحد، وهذا مروي عن جماعة من السلف منهم عمر - رضي الله عنه - وابن


(١) "إعلام الموقعين" (٣/ ١٩٧)، "الطرق الحكمية" ص (٧)، "فتح الباري" (٩/ ٥٠).
(٢) رواه البخاري (٥٠٠١)، ومسلم (٨٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>