للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثالث: حرم الله تعالى الخمر لما تشتمل عليه من الأضرار والمفاسد العظيمة، التي كشف الطب الحديث عن كثير منها بما لديه من وسائل وأجهزة علمية دقيقة، وهي كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لمن سأله عن الخمر يصنعها للدواء: "أنها ليست بدواء، ولكنها داء" (١).

والخمر تحتوي على مواد كيماوية كثيرة، أهمها: مادة "الغَول الإيثيلي" وتسمى "الكحول" وهي تنتج عن تخمر مادة السُّكَّر، وهي السبب في جميع الأضرار الناتجة عن تعاطي الخمور بأنواعها، وتوجد في السوائل الأخرى بنسب قليلة، وترتفع في المقَطَّرة منها، وتحديد الخمر وما يتبعها من السوائل المسكرة لا يتوقف على تساوي النِّسَبِ، ولا على ارتفاع وجودها، بل يتوقف على مجرد الوجود وإن كانت نسبتها قليلة، كالبيرة مثلًا.

"والغول" سريع الذوبان في الماء، ويصل إلى الدم، ويتوزع على جميع أخلاط البدن وأنسجته بسرعة فائقة، ولا سيما إذا أُخذ على معدة فارغة، ولعل هذا هو السر في أن الغول يؤثر على جميع أجزاء البدن، لا يستثني منها شيء، وأكثر الأجهزة تأثرًا في حالة السُّكْر هو الدماغ، ثم جهاز الدوران الدموي، والجهاز العصبي، والعقل، ثم الجهاز الهضمي بجميع أجزائه، ثم الجهاز التنفسي والبولي، وما ينشأ عن ذلك من الأمراض النفسية والعقلية، والشيخوخة المبكرة، والموت المفاجئ، وضعف مقاومة الجسم للأمراض، ثم الأضرار الاجتماعية، والاقتصادية، حتى نَسْلُ الإنسان لم يسلم من أذى المسكرات، بل وصل إلى الأجنة في بطون أمهاتها.

وبالجملة فهي أم الخبائث، وجماع الإثم، ومجمع الأمراض، ولهذا تجد السكارى غالبًا هم أفقر الناس، وأتعس الناس، وأشقى الناس (٢). نسأل الله السلامة والعافية.


(١) رواه مسلم (١٩٨٤)، وسيأتي شرحه -إن شاء الله- قريبًا.
(٢) انظر: "مع الطب في القرآن الكريم" ص (١٤٠)، "فقه الأشربة وحدُّها" ص (٧٧)، "موقف الإسلام من الخمر" ص (١٧)، "الخمر والإدمان الكحولي" ص (١٥)، "أحكام الأطعمة في الإسلام" ص (١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>