للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني: أنه أمر باجتنابها، وهذا أمر بالاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء بوجه من الوجوه لا بشرب ولا تداوٍ ولا تخليل ولا بيع. وفي اتخاذ الخمر دواء حض على الترغيب فيها وملابستها، وهذا ضد مقصود الشارع.

والقول الثاني: أنه يجوز التداوي بالخمر إذا تعينت علاجًا ولم يوجد غيرها، بشروط معتبرة (١)، وهذا قول بعض الحنفية (٢)، وهو أحد الوجهين عند الشافعية، ونسبه ابن العربي إلى ابن شهاب، وبه قال ابن حزم (٣).

واستدلوا على ذلك بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل، كما في حديث أنس - رضي الله عنه - الثابت في "الصحيحين" (٤) قالوا: وأبوال الإبل نجسة، وهذا دليل على جواز التداوي بالنجس، ومنه الخمر.

كما استدلوا بالقياس على إباحة المحرمات كالميتة للمضطر. وحملوا الأحاديث الناهية عن التداوي بالخمر على حالة التداوي بها من غير ضرورة ملجئة، كمن يظن نفعها ولو بإخبار طبيب، وعلى حالة الاختيار، كما إذا وجد غيرها من الحلال يقوم مقامها.

والصواب قول الجمهور؛ لوجود النص الدال على تحريم التداوي بالخمر؛ ولأن الإنسان يجد مندوحة عن التداوي بها ولا يقطع بنفعها، ثم إن في اتخاذها دواء مناقضة لمقصود الشارع كما تقدم.

وأما الاستدلال بحديث العرنيين فهو مردود بعدم التسليم بنجاسة أبوال الإبل حتى يقال: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتداوي بها، بل أبوال الإبل وأرواثها وكل ما يؤكل لحمه طاهرة، ولو سلمنا القول بنجاستها فالواجب الجمع بين العام وهو تحريم التداوي بالحرام وبين الخاص وهو الإذن بالتداوي بأبوال


(١) انظر: "الاضطرار إلى الأطعمة والأدوية المحرمة" ص (١٢٣).
(٢) نسب الحافظ في "فتح الباري" (١٠/ ٨٠) القول بالجواز إلى الحنفية، وهذا فيه نظر، وعلى إثره مشى الصنعاني، فإن جمهورهم على التحريم. انظر: "بدائع الصنائع" (٥/ ١١٣)، حاشية ابن عابدين (٦/ ٤٧٨).
(٣) "المحلى" (١١/ ٣٧١)، "أحكام القرآن" لابن العربي (١/ ١٥٢)، "المجموع" (٩/ ٥١).
(٤) رواه البخاري (٢٣٣)، ومسلم (١٦٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>