للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن تيمية وابن القيم قولين في وجوب الجهاد بالمال، وهما روايتان عن الإِمام أحمد، قال ابن القيم: (الصحيح وجوبه، لأن الأمر بالجهاد به وبالنفس في القرآن سواء) (١).

وقد جاء في القرآن تقديم الأموال على الأنفس في جميع الآيات التي جاء فيها الأمر بالجهاد والترغيب فيه، قال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٤١]، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)} [التوبة: ٢٠] إلا في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ} [التوبة: ١١١]-كما سيأتي- وسر تقديم الأموال على الأنفس -والله أعلم- أن المال محبوب للنفس تبذل طاقتها في تحصيله وجمعه، فإذا بذلته في سبيل الله دلَّ ذلك على قوة الإيمان، وكمال الإخلاص (٢)، ثم إن المال له نفع عظيم في الجملة، لكونه يستعان به في أمور كثيرة، ولهذا فإن شيخ الإِسلام ابن تيمية لما فاضل بين عثمان وعلي - رضي الله عنهما - ذكر من مرجحات تفضيل عثمان - رضي الله عنه - أنه أفضل جهادًا بماله (٣).

° الوجه الرابع: الحديث دليل على أن الجهاد يكون بالنفس، وذلك ببذلها في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ}، وفي هذه الآية جاء تقديم الأنفس على الأموال؛ وذلك -والله أعلم- لأنها هي المشتراة في الحقيقة، وهي مورد العقد، وهي السلعة التي استامها ربها وطلب شراءها لنفسه، وجعل الجنة ثمنًا لها، بحيث إذا بذلها المؤمنون فيه استحقوا الثمن، فكانت هي المقصودة بعقد الشراء، والأموال تبع لها، وفي هذا دليل بيَّن على عظم شأن الجهاد بالنفس في سبيل الله (٤).


(١) انظر: "الفتاوى" (٢٨/ ٨٧)، "جامع المسائل" (٥/ ٢٩٨)، "زاد المعاد" (٥/ ٧٢، ٥٥٨)، "بدائع الفوائد" (١/ ٧٧).
(٢) انظر: "بدائع الفوائد" (١/ ٧٨).
(٣) انظر: "منهاج السنة" (٨/ ٢٢٩).
(٤) انظر: "بدائع الفوائد" (١/ ٧٨)، "حادي الأرواح" ص (٥٤ - ٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>