للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

° الوجه الثالث: يستدل العلماء بهذا الحديث على تحريم الإقامة في بلاد الشرك ومساكنة المشركين، وهذا يشمل من ذهب إلى ديارهم وأقام معهم، أو أسلم في ديار الشرك وبقي فيها ولم يهاجر إلى ديار المسلمين مع القدرة؛ لأن الله تعالى أوجب على العبد العمل بالتوحيد، وفرض عليه عداوة المشركين، فما كان ذريعة وسببًا إلى إسقاط ذلك فإنه لا يجوز، والمطلوب من المسلم أن ينضم إلى جماعة المسلمين، فهم إخوته وأولياؤه من دون الناس.

وقد نقل ابن كثير الإجماع على أن كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكنًا من إقامة الدين أنه ظالم لنفسه مرتكب حرامًا (١)، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٩٧)} [النساء: ٩٧] وقوله: {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} أي: بتركهم الهجرة، والإقامة مع الكفار وتكثير سوادهم، وهذه الآية عامة لكل من أقام بين ظهراني المشركين مع القدرة على الهجرة وعدم التمكن من إقامة الدين.

° الوجه الرابع: في الحديث دليل وجوب الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإِسلام بشرط القدرة على الهجرة وعدم التمكن من إظهار الدين، وهذا يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٩٧)}.

فإن كان عاجزًا عن الهجرة لمرض أو ضعف أو إكراه على الإقامة أو مانع من الأمور السياسية والقوانين الدولية فهو معذور، وعليه أن يعتزل الكفار ما استطاع، ويظهر دينه، ويصبر على أذاهم، قال تعالى: {إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْولْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (٩٩)} [النساء: ٩٨، ٩٩].


(١) "تفسير ابن كثير" (٢/ ٣٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>