للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وخالف بعض المالكية في أمان المرأة، وقالوا: إنه موقوف على إجازة الإمام له، فإن أمضاه. جاز وإلا فلا، وحملوا قوله - صلى الله عليه وسلم - لأم هانئ: (قد أجرنا من أجرت) على أنه إجارة منه وليس تنفيذًا.

والصواب قول الجمهور، وقد وصف ابن عبد البر ومن قبله ابن المنذر قول بعض المالكية بأنه قول شاذ لا يعلم أحدًا من الأئمة قال به (١).

وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأم هانئ هو إمضاء لما وقع منها وأنه قد صح أمانها وانعقد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - سمى جوارها جوارًا حقيقيًّا، ثم إن قوله: (قد أجرنا) ليس هو إنشاء جوار، وإنما هو موافقة لها على من أجارت وعمل بمقتضى ما عقدت (٢). ولأن المرأة داخلة في عموم لفظ: "المسلمين" على القول الراجح عند الأصوليين، بدليل قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف: ٢٩] وقوله تعالى: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: ١٢] وهذه جموع صحيحة مذكرة دخلت فيها النساء قطعًا (٣).

* الوجه الخامس: ما جاء في هذه الأحاديث هو في الأمان الصادر من واحد من المسلمين، فيجوز أمانه لشخص واحد من الكفار ولعدد قليل، أما الأمان لجميع المشركين فهذا لا يصح إلا من الإمام؛ لأن له الولاية على جميع المسلمين، فجاز أن يكون تأمينه عامًّا.

ويصح الأمان من الأمير لأهل بلدة جُعل بحذائهم؛ لأن له الولاية على من بإزائه دون غيره. والله تعالى أعلم.


(١) "الإشراف" (٤/ ١٣٧)، "الاستذكار" (١٤/ ٨٨).
(٢) "المفهم" (٤/ ٧٩).
(٣) "تيسير الوصول" ص (١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>