للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رسول الله، وإنما يكتب محمد بن عبد الله، وألا يكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وإنما يكتب باسمك اللهم، كما اشترطوا أن من جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم بغير إذن وليه أنه يرده عليهم، ومن جاء من المسلمين فإنه لا يرد عليهم. وهدف قريش من هذه الشروط وغيرها الحفاظ على سمعتها وعدم الاعتراف بالمسلمين كندٍّ لها يقف معها جنبًا إلى جنب، وقد تخلَّفت قريش عن بعض الشروط، ثم نقضوا العهد.

أما هدف الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو تحقيق مصالح الدعوة، وما يترتب على هذا الصلح من أمن الناس والكف عن القتال حتى يظهر الإسلام، وينتشر الناس ويتصلوا بالمدينة، ويحصل سماع القرآن والسنة. ولهذا اتضح من خلال عقد الصلح تسامح الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع قريش، وهو تسامح محكوم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يسألونني خُطة يعظِّمون فيها حُرُمَاتِ الله إلا أعطيتهم إياها" (١).

ومع هذا فقد تألم عمر وبعض الصحابة - رضي الله عنهم - من شروط قريش، ورأوا أن الرضا والالتزام بها يعبر عن الضعف والاستكانة أمام الكفار، حتى قال عمر - رضي الله عنه -: (فَعَلامَ نعطي الدنيَّة في ديننا؟)، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رضي تلك الشروط ووقَّع مع قريش العقد عليها، وقال لعمر: "إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري"، والله تعالى هو العليم بما سيكون كيف يكون، وهذا يدل على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - واثق بالله تعالى كل الثقة أن العاقبة له وللمسلمين وأن كفته هي الراجحة وإن ظهر للناس ما ظهر.

وقد صارت العاقبة حميدة، فأنزل الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)} [الفتح: ١] فجعل الله تعالى ذلك الصلح فتحًا باعتبار ما فيه من المصلحة وما آل الأمر إليه، قال ابن كثير عند هذه الآية: (والمراد به صلح الحديبية؛ فإنه حصل بسببه خير جزيل، وآمن الناس، واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتشر العلم النافع والإيمان) (٢). والحمد لله رب العالمين.


(١) رواه البخاري (٢٧٣١).
(٢) "تفسير ابن كثير" (٧/ ٣١٠). وانظر: "زاد المعاد" (٣/ ٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>