للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنه لا يلزم من انتفاء الإثم حل الذبيحة؛ لأن حلها أثر حكم وضعي، حيث إنه مرتب على شرط يوجد بوجوده وينتفي بانتفائه، وأما المؤاخذة والجناح فهما أثر حكم تكليفي من شرطه الذكر والعلم، فلذلك انتفيا بانتفائهما (١).

يوضح ذلك أنه لو ترك واجبًا نسيانًا كالوضوء -مثلًا- فصلى بغير وضوء ناسيًا، فإنه لا إثم عليه، ويلزمه أداؤه.

وأما ما استدلوا به من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في متروك التسمية نسيانًا فلا حجة فيه؛ لأن الأحاديث الصحيحة مع ظاهر القرآن تدل على وجوبها، وما عارض ذلك فالمرفوع منه ضعيف، والموقوف لا حجة فيه مع مخالفة السنة، والمرسل ضعيف لا يحتج به.

• الوجه الثالث: الحديث دليل على أن الفعل إذا وقع من أهله فإنه لا يُسأل عن وصفه، لأن الأصل السلامة، وإذا كان الأصل السلامة كان السؤال عنه تشددًا (٢)، وعلى هذا فما ذبح في بلاد المسلمين فهو في الأصل محمول على الصحة، ما لم توجد قرينة على خلاف ذلك، قال ابن عبد البر: (في هذا الحديث من الفقه أن ما ذبحه المسلم ولم يعرف هل سَمَّى الله عليه أم لا، أنه لا بأس بأكله، وهو محمول على أنه قد سمى، والمؤمن لا يُظن به إلا الخير، وذبيحته وصيده أبدًا محمول على السلامة حتى يصح فيه غير ذلك من تعمد ترك التسمية ونحوه) (٣).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إذا وجد الإنسان لحمًا قد ذبحه غيره (أي: مسلم) جاز له أن يأكل منه ويذكر اسم الله عليه؛ لحمل أمر الناس على الصحة والسلامة) (٤).

أما الذبائح التي ترد إلى بلاد المسلمين فسيأتي الكلام على حكمها -إن شاء الله- عند شرح الحديث (١٣٤٩). والله تعالى أعلم.


(١) "أحكام الأضحية والذكاة" ص (٦٥).
(٢) انظر: مذكرة "شرح كتاب الأطعمة من البلوغ" ص (٤٧).
(٣) "التمهيد" (٢٢/ ٢٩٩).
(٤) "الفتاوى (٣٥/ ٢٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>