للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: ٦]، ولفظ الحديث فيه جناس تام، حيث اتفق اللفظان في الحروف، واختلف المعنى.

وفي الحديث أسلوب من أساليب القصر عند البلاغيين، وطريقه (إنما) ومعناه: أن الاغتسال مقصور على الإنزال.

الوجه الثالث: الحديث دليل على وجوب الغسل من إنزال المني، وهذا منطوق الحديث، وأما مفهومه فإنه يفيد عدم وجوب الغسل بدون إنزال، فلو جامعها في فرجها ولم ينزل فليس عليه غسل، وقد دل على ذلك قوله: «إذا أُعجلت أو قُحطت فعليك بالوضوء»، وأُعجلت: بضم الهمزة وكسر الجيم، وقُحطت: بضم القاف وفتحها، وبالهمز: أُقحطت، ومعناه: جامعت ولم تنزل، وهو الإكسال.

وقد جاء هذا المعنى وهو أن الماء من الماء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، عثمان وأُبي بن كعب، وحديثهما في الصحيحين، ورافع بن خديج، وحديثه عند أحمد، وأبي أيوب وحديثه عند النسائي وابن ماجه، وقد ورد عن زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان، فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يُمنِ؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وأُبي بن كعب رضي الله عنهم، فأمروه بذلك (١).

وكان هذا في أول الإسلام، وهو أن من جامع ولم ينزل استنجى وتوضأ، ثم شُرع الغسل مطلقاً بمجرد الإيلاج وإن لم ينزل، وقد ورد ما يدل على النسخ من طريق ابن شهاب، حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أُبي بن كعب أخبره أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنما جعل ذلك رخصة في أول الإسلام، لقلة الثياب، ثم أُمِرَ بالغسل، ونُهِيَ عن ذلك (٢)، قال أبو داود: (يعني الماء من الماء).


(١) أخرجه البخاري (٢٩٢)، ومسلم (٣٤٧) دون قوله: "فسألت .. ".
(٢) أخرجه أبو داود (٢١٤) وإسناده صحيح، وشيخ ابن شهاب يشبه أن يكون أبا حازم سلمة بن دينار، وهو ثقة، ذكر ذلك ابن خزيمة (١/ ١١٤) وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>