للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

° الوجه الثاني: الحديث دليل على أن اليمين المطلوبة من الحالف يجب أن تكون على نية طالب اليمين، ولا ينفع فيها نية الحالف إذا نوى غير ما أظهر ولا ينفعه تأويله ولا توريته (١)، وإلا لبطلت الفائدة المرجوة من اليمين، فإن الغرض منها تخويف الحالف ليرتدع عن الإنكار والجحود خوفًا من عاقبة اليمين الكاذبة، ولو ساغ له التأويل انتفى ذلك، ولا فرق في ذلك بين أن يكون طالب اليمين هو القاضي أو من له الحق.

فإذا قال عند القاضي: والله ما له عندي وديعة، وعنى بـ (ما) الذي، لم ينفعه تأويله؛ لأن صاحبه لا يفهم هذا منه، وإنما يفهم النفي.

° الوجه الثالث: الحالف له ثلاث حالات:

الأولى: أن يكون ظالمًا، كالذي يستحلفه القاضي على حق عنده، فهذا تنصرف يمينه إلى ظاهر اللفظ الذي عناه المستحلف، ولا ينفع الحالف تأويله، بدليل حديث الباب، قال النووي: (فإذا ادعى رجل على رجل حقًّا، فحلَّفه القاضي، ووَرَّى فنوى غير ما نوى القاضي، انعقدت يمينه على ما نواه القاضي ولا تنفعه التورية، وهذا مجمع عليه) (٢). لكن نقل الإجماع فيه تامل؛ لأن في بعض المذاهب بعض الشروط لكي تنفع التورية (٣).

الثانية: أن يكون الحالف مظلومًا، مثل من يستحلفه ظالم على شيء لو صَدَقَه لظلمه في بدنه أو ماله أو عرضه، أو ظلم غيره أو نال مسلمًا منه ضرر، فهذا له أن يؤول كلامه تأويلًا غير المعنى الذي فهمه المستحلف الظالم.

وقد ورد في "صحيح البخاري" في قصة إبراهيم - عليه السلام - مع زوجته أنه قال للجبار الذي سأله من هذه؟ قال: أختي (٤). قصد بذلك أختي في الدين.


(١) التورية أن يقسم الإنسان على شيء له معنى متبادر للذهن، وهو يقصد معنى آخر يحتمله اللفظ المذكور، فين يقصد بالفراش والبساط: الأرض، وبالسقف السماء، وبالجارية السفينة ونحو ذلك.
(٢) "شرح صحيح مسلم" (١١/ ١٢٧).
(٣) انظر: "أحكام اليمين بالله عزَّ وجلَّ" ص (٣٠٤).
(٤) "صحيح البخاري" (٣٣٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>