للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شيئًا … " الحديث (١)، وبدليل قول ابن عمر - رضي الله عنهما -وهو الراوي للحديث-: أَوَ لَمْ يُنهوا عن النذر، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن النذر لا يقدم شيئًا ولا يؤخر … " الحديث (٢).

وذكر ابن الأثير وجماعة أنه ليس نهيًا وإنما هو تأكيد لأمر النذر وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر لم يؤمر بالوفاء به؛ لأنه بالنهي يصير معصية، فكيف يؤمر بالوفاء بالمعصية؟!

قالوا: وإنما جاء الحديث بصيغة النهي خشية أن يظن بعض الجهلة أن النذر يغير القدر، فكأنه قال: إذا اعتقدتم ذلك فلا تنذروا (٣).

وهذا قول ضعيف لا يساعد عليه لفظ الحديث، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - صريح في المعنى الأول، إضافة إلى فهم ابن عمر - رضي الله عنهما - (٤).

قوله: (إنه لا يأتي بخير) جملة تعليلية، ولها معنيان:

الأول: أن النذر لا يأتي بخير إن لم يكن قدره الله تعالى، ويؤيد هذا المعنى رواية في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئًا لم يكن الله قدره له"، فالناذر قد يظن أنه إذا قال: إن شفى الله مريضي فللَّه علي كذا، يظن أن النذر له أثر في حصول غرضه إن حصل، مع أن ذلك بقدر الله وقضائه نذر أو لم ينذر.

المعنى الثاني: أن معناها أن عقبى النذر لا تحمد فلا يأتي بخير:

١ - لأن الناذر إذا نذر قربة صارت لازمة بالنذر، فيؤديها وهو مستثقل لها، وقد يعجز عنها، مع أنه كان في عافية وسعة قبل أن ينذر.

٢ - أن فيه إرادة المعاوضة مع الله وأن حصول مطلوبه لأجل النذر؛ لأن الناذر لم يمحض نيته للتقرب إلى الله تعالى.

ولا مانع من اعتبار المعنيين لوجودهما في النذر.


(١) رواه مسلم (١٩٤٠).
(٢) رواه البخاري (٦٦٩٢).
(٣) "النهاية" (٥/ ٣٩).
(٤) انظر: "المُعْلم" (٢/ ٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>