للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (وإنما يستخرج به من البخيل) أي: لأن البخيل لا يؤدي طاعة من صدقة أو صيام إلا في عوضٍ ومقابلٍ يُستوفى أولًا، فإن لم يحصل له غرضه لم يفعل، فيكون النذر هو السبب الذي استخرج منه تلك الطاعة، أما غير البخيل فهو يفعل الطاعة ابتداءً دون أن يعلقها على شيء.

وهذا عام في النذر المعلق وهو نذر المجازاة، كان شفى الله مريضي … ، والنذر المطلق مثل: لله علي صدقة؛ لأن بعض الناس قد لا ينشط لعمل القربة، فيلزم نفسه بفعلها بواسطة النذر لأجل أن تلزمه.

* الوجه الثالث: الحديث دليل على أن النذر منهي عنه وأنه لا ينبغي، وأن فعله ابتداء ليس من الطاعات المرغب فيها، ولكن إذا وقع وجب الوفاء به في الجملة.

قال الخطابي: (هذا باب غريب من العلم وهو أن ينهى عن الشيء أن يُفعل حتى إذا فعل وقع واجبًا) (١) وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: (إن النذر من غرائب العلم حيث كان عقده منهيًا عنه ووفاؤه محمودًا مأمورًا به، والقاعدة في جميع الأمور أن الوسائل لها أحكام المقاصد إلا هذه المسألة) (٢).

ومن أهل العلم من حمل النهي في الحديث على نذر المجازاة، وهو النذر المعلق على وجود نعمة أو دفع نقمة، كما لو قال: إن شفى الله مريضي أو سكنت منزلًا لي فلله علي أن أصوم شهرًا.

أما النذر المطلق وهو التزام العبادة والنذر بها مطلقًا فهذا غير داخل في النهي.

* الوجه الرابع: اختلف العلماء في حكم الإقدام على النذر، والظاهر أن سبب الخلاف ما ورد من الأدلة في الثناء على الذين يوفون بالنذر وأنه سبب من أسباب دخول الجنة، كقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: ٧]، وما ورد من الأدلة على وجوب الوفاء بالنذر، كقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ


(١) "أعلام الحديث" (٤/ ٢٢٧٧).
(٢) "الإرشاد" ص (٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>