للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: ٢٩]، وما سيأتي من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" (١). مع الأدلة التي تنهى عن النذر، وفي المسألة أربعة أقوال:

الأول: أن النذر مكروه، وعزاه الترمذي إلى ابن المبارك، وهو قول الجمهور من أهل العلم، ومنهم الحنابلة في الصحيح من المذهب، وأكثر الشافعية، والمالكية، وابن حزم، إلا أن المالكية خصوا الكراهة بما يتكرر دائمًا كصوم يوم من كل أسبوع، وما لم يتكرر فهو مندوب (٢).

واستدلوا بما تقدم من الأدلة في النهي عن النذر؛ لأن فيها التصريح بالنهي عنه، وأنه لا يأتي بخير ولا يرد قضاء، قالوا: والنهي يقتضي التحريم في الأصل، لكن صُرف إلى الكراهة بنصوص الكتاب والسنة التي أوجبت الوفاء بالنذر، ومدحت الموفين به، قال ابن قدامة: (وهذا نهي كراهة لا نهي تحريم؛ لأنه لو كان حرامًا لما مَدَحَ الموفين به؛ لأن ذنبهم في ارتكاب المحرَّم أشد من طاعتهم في وفائه … ) (٣).

والقول الثاني: أن النذر محرَّم، ونُسب هذا إلى طائفة من أهل الحديث، ورجحه الصنعاني (٤)، وقال ابن مفلح: (وتوقف شيخنا -يعني: ابن تيمية- في تحريمه) (٥)، وقال الشيخ محمد بن عثيمين: (القول بتحريمه قوي) (٦) مع أنه يقول بكراهته، والذين حرَّموه أخذوا بظاهر النهي عنه، قالوا: ولأن الناذر قد يقع في قلبه شيء من سوء الظن بالله تعالى وأن الله تعالى لا يجلب له هذه النعمة ولا يدفع عنه هذه النقمة إلا بالنذر، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أنه لا يأتي بخير.


(١) رواه البخاري (٦٧٠٠).
(٢) "جامع الترمذي" (٣/ ١٩٨)، "المحلى" (١٠/ ٧)، "المغني" (١٣/ ٦٢١)، "المجموع" (٨/ ٤٥٠)، "مغني المحتاج" (٤/ ٣٥٤)، "جواهر الإكليل"، (١/ ٢٤٤)، "أضواء البيان" (٥/ ٦٧٧).
(٣) "المغني" (١٣/ ٦٢١).
(٤) "سبل السلام" (٨/ ٣٨).
(٥) "الفروع" (٦/ ٣٩٥)، "فتح الباري" (١١/ ٥٧٨)، "الإنصاف" (١١/ ١١٧).
(٦) "الشرح الممتع" (١٣/ ٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>