للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قيل: كيف أثنى الله على الموفين بالنذر وقد ارتكبوا ما نهى الله عنه؟ فالجواب من وجهين:

الأول: أن الله لم يثن على الناذرين وإنما أثنى على الموفين، وفرق بين الأمرين، وعلى هذا فعقد النذر ليس عبادة، لكن الوفاء به عبادة.

الجواب الثاني: أن العلماء قد اختلفوا في معنى قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْر} على قولين:

الأول: قول قتادة ومن وافقه أن المراد يوفون بما افترض الله عليهم من الطاعات كالصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة ونحو ذلك، ويقوي قول قتادة قوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: ٢٩] أي: أعمال نسكهم التي ألزموها أنفسهم بإحرامهم بالحج، ذكر ذلك القرطبي (١).

الثاني: قول مجاهد وعكرمة وغيرهما أن الآية على ظاهرها، وأن المراد النذر الذي أوجبه الإنسان على نفسه، وأن هذا مدح لهم بالوفاء به.

وقد جمع ابن كثير بين القولين فقال: (أي: يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من الطاعات الواجبة بأصل الشرع، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر) (٢).

والقول الثالث: أن النهي ورد في نذر المجازاة، وهو ما عُلِّق على حصول نفع للناذر، مثل: إن شفى الله مريضي فعليَّ كذا، وذلك لأنه لم يقع طاعة خالصة، ولأن الأحاديث الواردة في ذلك جاء فيها أن النذر لا يرد شيئًا من القدر، وبهذا جزم القرطبي (٣)، وأما النذر المطلق فهو الذي ورد فيه الترغيب والثناء على الموفين به، وهذا قول جماعة من أهل العلم من الشافعية وغيرهم، واختاره الشنقيطي (٤).

والقول الرابع: أن النهي محمول على من علم من حاله عدم القيام بما


(١) انظر: "تفسير الطبري" (٢٩/ ٢٠٨)، "تفسير القرطبي" (١٩/ ١٢٨).
(٢) "تفسير ابن كثير" (٨/ ٣١٣).
(٣) "المفهم" (٤/ ٦٠٦).
(٤) انظر: "طرح التثريب" (٦/ ٣٩)، "فتح الباري" (١١/ ٥٧٨)، "أضواء البيان" (٥/ ٦٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>