للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التزمه من النذر، لضعف ونحوه، ويكون معنى قوله: (إنه لا يأتي بخير) أن عقباه لا تُحمد، فإن الناذر قد لا يفي، وقد يتعذر الوفاء به، وقد يأتي به كارهًا مستثقلًا -كما تقدم - (١)، أما من قوي على الوفاء بالنذر فإنه يكون في حقه عبادة مشروعة، وهذا القول فيه جمع بين الأدلة، فإن الله عزَّ وجلَّ قد أمر بالوفاء بالنذر -كما تقدم- والأمر بالوفاء به يدل على أنه عبادة؛ لأن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، وأثنى الله على الموفين به فقال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: ٧]، والله تعالى لا يمدح إلا على فعل واجب أو مستحب أو ترك محرم، لا يمدح على فعل المباح المجرد، وذلك هو العبادة (٢)، وقد دل قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: ٢٧٠] على مشروعية النذر والوفاء به ما لم يكن معصية (٣).

قال الشوكاني: (فيه معنى الوعد لمن أنفق ونذر على الوجه المقبول، والوعيد لمن جاء بعكس ذلك) (٤)، ومما يؤيد هذا الجمع أنه لو كان منهيًا عن النذر على الإطلاق لكان النذر معصية، فكيف يؤمر الناذر بالوفاء بالمعصية؟! وكيف يكون النذر بعد الوفاء عبادة، ويكون صرفه لغير الله تعالى شركًا في العبادة؟ (٥).

وهذا الجمع قال به جماعة من أهل العلم، وعزاه ابن العراقي إلى القائلين بالاستحباب، وقد جزم به جماعة من الشافعية (٦)، وهو قول الحنفية (٧)، وهو أقرب الأقوال. والله تعالى أعلم.


(١) انظر: "سبل السلام" (٤/ ٢٢٤).
(٢) انظر: "تيسير العزيز الحميد" ص (٢٠٣).
(٣) انظر: "طرح التثريب" (٦/ ٤٠)، "روح المعاني" (٣/ ٤٣).
(٤) "فتح القدير" (١/ ٢٩٠).
(٥) انظر: "تيسير العزيز الحميد" ص (٢٠٣).
(٦) انظر: "طرح التثريب" (٦/ ٣٩ - ٤٠).
(٧) انظر: "الاختيار" (٤/ ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>