للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقول الثالث: أنه يتصدق بجميع ماله، ويُبقي لنفسه ولمن يعول ما يغنيهم عن سؤال الناس، لعموم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر، مع قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: ٢١٩]، والعفو في أصح التفسيرين هو: ما لا يضر إنفاقه بالمنفق ولا يجحف به، لإمساكه ما يسدُّ خلته الضرورية (١)؛ ولأن ما نقص عن كفايته وكفاية أهله لا يجوز التصدق به، فنذره لا يكون طاعة فلا يجب الوفاء به، وما زاد على قدر كفايته وحاجته فإخراجه والصدقة به أفضل، فيجب إخراجه إذا نذره (٢)، وهو قول ابن حزم (٣)، وبعض المالكية، وهو اختيار ابن القيم (٤)، وقد ذكر ذلك الشافعي ولم ينسبه لأحد بعينه (٥).

وأما قصة أبي لبابة وكعب بن مالك - رضي الله عنهما - فليس فيها ما يدل على النذر (٦)، وإنما هي صدقة من باب شكر النعمة، وهي توبة الله تعالى عليهما؛ لأن كلًّا منهما قال: (إن من توبتي)، أي: من شكر توبتي (٧)، وفرق بين من يلتزم إخراج ماله بالنذر، وبين من يريد أن يتصدق (٨)، على أن قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه - ليس فيها ذكر الثلث، وإنما قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -، "أمسك عليك بعض مالك".

والأقرب -والله أعلم- لزوم الصدقة بجميع المال لمن نذر ذلك إذا حَسُنَ ظنه بربه وصَدَق اعتماده عليه، مع وجود ما يقوم بكفايته من مرتب ونحو ذلك، وهذا فيه احتياط وإبراء للذمة، قال ابن القيم بعد ذكره الأقوال في المسألة: (وأصح هذه الأقوال: ما دل عليه حديث كعب المتفق عليه أنه يتصدق به، ويمسك عليه بعضه، وهو ما يكفيه ويكفي عياله، والله أعلم) (٩).


(١) انظر: "أضواء البيان" (٥/ ٦٨٥).
(٢) انظر: "زاد المعاد" (٣/ ٥٨٦).
(٣) "المحلى" (٨/ ٣٥٣).
(٤) انظر: "تهذيب مختصر السنن" (٤/ ٣٨٤ - ٣٨٥)، "زاد المعاد" (٣/ ٥٨٦).
(٥) "الأم" (٢/ ٢٧٨، ٢٧٩)، "بلغة السالك" (١/ ٧٣٨).
(٦) انظر: "الأعلام" (٩/ ٣٣٧).
(٧) "الإعلام" (٩/ ٣٣٥).
(٨) "سبل السلام" (٤/ ٢٢٦).
(٩) "تهذيب مختصر السنن" (٤/ ٣٨٥)، "عون المعبود" (٩/ ١٥٤)، "الشرح الممتع" (١٥/ ٢٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>