للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فدل هذا الحديث على أن نذره لم ينعقد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بالوفاء به ولم يوجب عليه كفارة، بل أمره ألا يفي به، إلا الصوم لأنه طاعة (١).

والأقرب -والله أعلم- أن نذر المباح ينعقد ويخير بين الوفاء وبين كفارة اليمين، ويؤيد هذا مفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"، فإن مفهومه أنه لا يجب الوفاء إلا بنذر الطاعة.

وأما القسم الثالث -وهو نذر المعصية- فسيأتي إن شاء الله في الحديث الآتي.

أما إن كان المنذور مالًا كان يقول: لله عليَّ أن أتصدق بمالي، فقد اختلف العلماء فيما يلزم إخراجه على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه يكفيه إخراج الثلث، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي لبابة - رضي الله عنه - حين قال: (إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله، فقال: "يجزئك الثلث" (٢)، ومثله قال لكعب بن مالك - رضي الله عنه - (٣)، وقد فهم أبو داود هذا الحكم وبوَّب عليه (باب: فيمن نذر أن يتصدق بماله) (٤)، وهذا قول مالك، وهو المذهب عند الحنابلة (٥)، واختاره الشنقيطي (٦).

والقول الثاني: أنه يتصدق بجميع ماله، وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، ورواية عن أحمد (٧)، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"؛ ولأن اسم المال يقع على الجميع.


(١) "التوضيح" (٣٠/ ٣٩١).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٣٢٠)، وأحمد (٢٥/ ٢٧)، ومالك (٢/ ٤٨١)، وعبد الرزاق (٨/ ٤٨٤)، والبيهقي (١٠/ ٦٧)، والحديث له طرق كثيرة عن الزهري.
(٣) أخرجه أبو داود (٣٣١٨)، (٣٣١٩) وانظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (١٠/ ٦٨)،
وقصة كعب بن مالك أخرجها البخاري (٢٧٥٧)، ومسلم (٢٧٦٩) وليس فيها ذكر الثلث، وإنما فيها: "أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك … ".
(٤) انظر: "عون المعبود" (٩/ ١٤٨).
(٥) "بداية المجتهد" (٢/ ٤٢٥)، "الإنصاف" (١١/ ١٢٧).
(٦) انظر: "أضواء البيان" (٥/ ٦٧٢).
(٧) "شرح المهذب" (٨/ ٤٦٢)، "الفروع" (٦/ ٣٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>