للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ودليلهم حديث: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر - رضي الله عنه - أن يوفي بنذر نذره في الجاهلية وهو أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، كما سيأتي، وعلى هذا فنذر الطاعة لا تدخله الكفارة، وإنما يجب الوفاء به، ومن الأدلة أن الله تعالى ذم من لم يف بنذره قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)} [التوبة: ٧٥ - ٧٧].

فإن كان جنس الطاعة غير واجب بأصل الشرع كالاعتكاف وعيادة المريض فالأكثرون أنه يلزم الوفاء به، وعند أبي حنيفة لا يلزم الوفاء به؛ لأن النذر فرع عن المشروع، فلا يجب به ما لا يجب له نظير بأصل الشرع (١).

وإن كان مباحًا كلبس الثوب وركوب السيارة ونحو ذلك فهذا ينعقد ويخير الناذر بين الوفاء به وبين كفارة اليمين، وهذا مذهب الحنابلة، ورجحه النووي في "المنهاج" (٢).

واستدلوا بعموم حديث الباب؛ ولأنه لو حلف على فعل مباح برَّ بفعله، فكذلك إذا نذر؛ لأن النذر كاليمين.

والقول الثاني: أن نذر المباح لا ينعقد، وليس عليه كفارة، وهذا قول الجمهور من الحنفية والمالكية، وهو الأصح في مذهب الشافعية، وهو رواية مخرَّجة في مذهب أحمد (٣).

واستدلوا بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم، فسال عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مره فليتكلم وليستظل وليتم صومه" (٤).


(١) "حاشية ابن عابدين" (٣/ ١٧٧٢)، "الاختيار" (٤/ ٧٦).
(٢) "المغني" (١٣/ ٦٢٦ - ٦٢٧)، "مغني المحتاج" (٤/ ٣٥٧)، "الشرح الممتع" (٥/ ٢١٣).
(٣) "الإنصاف" (١١/ ١٢).
(٤) رواه البخاري (٦٧٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>