للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما فَرَطَ منه إذا جوزي يوم القيامة، وكأنه حذف مثل هذا التقييد هنا تنفيرًا منها وتبعيدًا عنها.

قوله: (فنعم المرضعة) وقع في بعض نسخ "البلوغ" (فنعمت) بالتاء، والمثبت في بعضها بدونها، وهو الموافق لما في "الصحيح"؛ أي: فنعم المرضعة في الدنيا، فضرب المرضعة مثلًا للإمارة وما توصله لصاحبها من حظوظ الدنيا ولذاتها من المال والجاه والكرامة ونفوذ الكلمة وتذلل الناس، ففيه تشبيه الإمارة بالمرضعة؛ لأنها تدر على صاحبها المنافع كما تدر المرضعة باللبن.

قوله: (وبئست الفاطمة) اسم فاعل من الفطم، وهو فصل الصبي عن الرضاعة، والمراد أنه عند الانفصال عن الإمارة بموت أو عزل ونحوهما يحرم الأمير ويفصل عن الخيرات والمنافع، وتبقى التبعات والمهالك. يقول المهلب: (حرص الناس على الإمارة ظاهر للعيان، وهو الذي جعل الناس يسفكون عليها دماءهم، ويستبيحون حريمهم، ويفسدون في الأرض حتى يصلوا بالإمارة إلى لذاتهم، ثم لا بد أن يكون فطامهم إلى سوء من الحال؛ لأنه لا يخلو أن يُقتل عليها أو يُعزل عنها وتلحقه الذلة، أو يموت عليها، فيطالب في الآخرة بالتبعات، فيندم حينئذٍ) (١).

° الوجه الثالث: الحديث دليل على عظم شأن الإمارة وكثرة تبعاتها ومسؤولياتها في الدار الآخرة؛ لأن ما تعلق بالخلق فأمره عظيم، وصاحبه على خطر جسيم، وهذا كما تقدم مقيد بمن دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل، وقد ورد عن أبي - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: "يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة" (٢).

أما إن كان أهلًا للولاية وعدل فيها فله أجر عظيم تظاهرت النصوص


(١) "التوضيح" (٣٢/ ٤٤٥).
(٢) رواه مسلم (١٨٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>