للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

° الوجه الخامس: الحديث دليل على جواز الاجتهاد في الأحكام الشرعية وأن القاضي لا بد أن يكون من أهل الاجتهاد، والمراد به: استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها الأصلية، فيكون القاضي عالما بمصادر الشريعة مع كيفية الاستنباط. قال ابن هبيرة: (اتفقوا على أنه لا يجوز أن يولَّى القضاء من ليس من أهل الاجتهاد، إلا أبا حنيفة فقال: يجوز … ) (١).

وهذا الشرط بحسب الإمكان، فإذا لم يوجد إلا قاض مقلدٌ فإنه يولى، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن شروط القضاء ومنها الاجتهاد: (هذه الشروط تعتبر حسب الإمكان، وتجب ولاية الأمثل فالأمثل، وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره فيولى لعدم: الأنفعُ من الفاسقين وأقلُّهما شرا، وأعدلُ المقلدين وأعرفُهما بالتقليد)، قال ابن مفلح: (وهو كما قال) (٢).

وما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية هو الصواب في هذه المسألة، وهو موافق لمذهب الحنفية فإنهم يعتبرون الاجتهاد شرط فضيلة وكمال، فيصح قضاء المقلد إذا خلا الزمن من مجتهد يتولى القضاء، قال المرداوي: (وعليه العمل من مدة طويلة وإلا تعطلت أحكام الناس) (٣).

° الوجه السادس: الحديث دليل على أنه ليس كل مجتهد مصيبًا، بل المصيب واحد، وهو من وافق الصواب في علم الله تعالى. ووجه الدلالة: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جعل المجتهدين قسمين: قسمًا مصيبًا وقسمًا مخطئًا، ولو كان كل منهم مصيبًا لم يكن لهذا التقسيم معنى.

ومن قال: كل مجتهد مصيب، احتج بأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل له أجرًا واحدًا، ولو كان لم يصب لم يؤجر، ووصفه بالخطأ محمول على من ذَهَلَ عن النص أو اجتهد في أمر قطعي خالف فيه الإجماع، لكن يرد على ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتبره مخطئًا وأثبت له الأجر، فهذا يدل على أنه غير مصيب، وما اعتذروا به عن وصفه بالخطأ تخصيص لا دليل عليه، والحديث عام.


(١) "الإفصاح" (٢/ ٣٤٣).
(٢) "الفروع" (٦/ ٤٢٤).
(٣) "الإنصاف" (١١/ ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>