للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سيأتي؛ ولأن النهي ليس لذات الغضب وإنما لكونه مظنة تشويش الذهن.

قوله: (وهو غضبانُ) بلا تنوين؛ لأنه ممنوع من الصرف للوصفية وزيادة الألف والنون، والجملة حال من الفاعل، والغضب: غليان دم القلب لطلب الانتقام، قال ابن فارس: (الغين والضاد والباء أصل صحيح يدل على شدة وقوة) (١). وسيأتي لهذا مزيد في كتاب "الجامع" -إن شاء الله تعالى-.

° الوجه الثالث: الحديث دليل على أن القاضي منهي عن القضاء حال الغضب، وذلك لما يحصل للنفس بسببه من تشوش الفكر وانشغال القلب الذي يؤدي إلى اختلال النظر وعدم استيفائه على الوجه المطلوب، فيخرج بذلك عن دائرة العدل وإصابة الحق، وقد يميل في حكمه في حق المغضوب عليه إذا كان غضبه من أحد الخصمين، ونَهْيُ القاضي عن القضاء حال الغضب دليل واضح على عناية الشريعة بحقوق الناس ولو في حال الخصومة والنزاع، قال الموفق ابن قدامة: (لا خلاف بين أهل العلم فيما علمناه في أن القاضي لا ينبغي له أن يقضي وهو غضبان) (٢).

وظاهر النهي التحريم، ولا موجب لصرفه عن معناه الحقيقي إلى الكراهة، وأما قصة الزبير مع خصمه فلا تصلح قرينة صارفة؛ إذ لا يصح إلحاق غيره - صلى الله عليه وسلم - به في مثل ذلك؛ لأنه معصوم عن الحكم بالباطل في رضاه وغضبه، بخلاف غيره فلا عصمة تمنعه من الخطأ، وهذا اختيار الشوكاني (٣).

ومن أهل العلم من قال بالتفصيل، وهو أنه إن كان الغضب مشوشًا بحيث يفضي إلى عدم تمييز الحق من الباطل فلا كلام في تحريمه، وإن كان غضبًا يسيرًا لا يمنعه من النظر والفكر فأقل أحواله الكراهة، وهذا التفصيل هو الأقرب، واختاره الصنعاني (٤).

وقصة الزبير رواها عبد الله بن الزبير أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير


(١) "معجم مقاييس اللغة" (٤/ ٤٢٨).
(٢) "المغني" (١٤/ ٢٥).
(٣) "نيل الأوطار" (١٥/ ٤٥٢).
(٤) "سبل السلام" (٤/ ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>