للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة (١) التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرّح الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير: "اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك" فغضب الأنصاري فقال: أن كان ابن عمتك، فتلون وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْرِ" (٢) فقال الزبير: إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ … } [النساء: ٦٥] (٣).

° الوجه الرابع: يقاس على الغضب منع الحاقن أو المريض أو الخائف أو الجائع أو من اعتراه ملل شديد أو حزن غالب وسائر ما يتعلق بالقلب تعلقًا يشغله عن استيفاء النظر، وهذا الإلحاق من القياس الجلي؛ لثبوت علة الأصل بالإجماع، وهي تشويش الفكر وانشغال القلب، وكان الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب كثرة الأسباب المهيجة له من قِبَلِ الخصوم، واستيلاؤه على النفس وصعوبة مقاومته دون غيره.

وإذا كان الغضب بهذه الصفة فإنه ينبغي للقاضي أن يجتهد في الأخذ بالأسباب التي تصرف الغضب أو تخففه، من التخلق بالحلم والصبر وتوطين النفس على ما يسمعه من الخصوم، فإن هذا عون كبير -بتوفيق الله- على دفع الغضب أو تخفيفه.

° الوجه الخامس: يؤخذ من إطلاق الغضب في هذا الحديث أنه لا فرق بين أن يكون الغضب لله تعالى، أو يكون لغير الله تعالى كحظ النفس، وذلك لوجود المعنى الذي من أجله نُهي القاضي عن القضاء حال الغضب، خلافًا لمن خص الحديث بما إذا كان الغضب لغير الله تعالى، فأجازه إذا كان الغضب لله؛ لأنه يؤمن معه من التعدي، بخلاف الغضب لحظ النفس، وهذا مخالف لظاهر الحديث وللمعنى، كما تقدم.

° الوجه السادس: استدل العلماء بهذا الحديث على أن القاضي إذا


(١) بكسر الشين، مسايل النخل والشجر.
(٢) يروى بالدال وهو ما يحيط بالنخل لحفظ الماء، ويروى بالذال على ما ذكره الخطابي، وهو تمام الشرب.
(٣) رواه البخاري (٢٣٥٩) (٢٣٦٠)، ومسلم (٢٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>