للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم في حال غضبه فإن حكمه لا ينفذ؛ لأنه منهي عن القضاء في هذه الحال، والنهي يقتضي الفساد، وهذا رواية في مذهب أحمد.

والقول الثاني: أنه ينفذ حكمه إن صادف الحق، وعزاه ابن حجر إلى الجمهور (١)، وهو الأصح في مذهب الحنابلة (٢)، واستدلوا بحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة الزبير مع الأنصاري وهو في حال الغضب.

والقول الثالث: أنه إن كان الغضب قبل أن يتضح الحكم لم ينفذ؛ لأنه شغله عن استيضاح الحق، أما إذا حدث بعد اتضاح الحكم فلا يمنع من نفوذ حكمه، واستدلوا بقصة الزبير أيضًا، وهذا قول ثالث في مذهب أحمد، كما ذكر ابن القيم، وذكره الموفق ابن قدامة في "الكافي" (٣)، وذكره الحافظ ابن حجر وقال: (إنه تفصيل معتبر) (٤).

والذي يظهر أن الاستدلال بقصة الزبير غير مستقيم، لأمور ثلاثة:

١ - أن حكمه - صلى الله عليه وسلم - فيها كان قبل الغضب، إلا أن يقال: إن حكمه الثاني بعد غضبه فيه زيادة على الأول؛ لأنه في الأول أمر الزبير أن يترك بعض حقه، وفي الثاني أمره أن يستوفي جميع حقه.

٢ - أن النهي في حديث الباب لا يتناول النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما تقدم، وهذا اختيار النووي، فإنه لما ذكر حديث اللقطة وفيه: (قال: يا رسول الله، فضالَّة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى احمر وجهه، ثم قال: ما لك ولها .. ) الحديث. قال النووي: (وفيه جواز الفتوى والحكم في حال الغضب، وأنه نافذ، لكن يكره ذلك في حقنا، ولا يكره في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لا يُخاف عليه في الغضب ما يُخاف علينا. والله أعلم) ورجح هذا ابن الملقن، وضَعَّفَ ما عداه.

٣ - أن هذا غضب يسير (٥). والله تعالى أعلم.


(١) "فتح الباري" (١٣/ ١٣٨).
(٢) "المغني" (١١/ ٢٠٩ - ٢١٠).
(٣) (٦/ ٩٧، ٩٨)، وانظر: "الإنصاف" (١١/ ٢١٠).
(٤) "فتح الباري" (١٣/ ١٣٨).
(٥) انظر: "إكمال المعلم" (٥/ ٥٧٥)، "شرح النووي على صحيح مسلم" (١١/ ٢٦٨)، "الإعلام" (١٠/ ٣٥)، "القاضي والبينة" ص (١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>