كفَطِنَ وزنًا ومعنى. واللَّحَنُ: بالفتح الفطنة، وبالسكون الخطأ في القول، والمراد أنه إذا كان أفطن كان في الغالب أقدر وأبلغ في حجته من الآخر، فيزين كلامه بحيث يظنه القاضي صادقًا في دعواه. وقد جاء في بعض روايات البخاري ومسلم:"فأحسب أنه صادق فأقضي له"(١).
ولا بد في التركيب من تقدير محذوف ليصح معناه؛ أي: وهو كاذب، ويسمى هذا عند أهل الأصول دلالة الاقتضاء؛ لأن هذا المحذوف اقتضاه الظاهر المذكور بعده، كقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: ١٨٤] أي: فأفطر فعدة.
قوله:(على نحوٍ مما أسمع منه) أي: من الدعوى والبينة أو اليمين، وقد تكون باطلة في نفس الأمر، وقد جاء في رواية -كما تقدم-: "فأحسب أنه صادق".
قوله:(فمن قطعت له من حق أخيه شيئًا) أي: أعطيته بالقضاء من مال أو غيره.
قوله:(فإنما أقطع له قطعة من النار) أي: إذا كان الذي قضيت له بحسب الظاهر لا يستحقه بحسب الباطن، فهو عليه حرام يؤول به إلى النار.
وقوله:(قطعة من نار) تمثيل يفيد شدة التعذيب على من تعاطى ذلك، كقوله تعالى:{إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}[النساء: ١٠].
وفي الرواية المذكورة لمسلم:"فلا يأخذه" وفي أخرى: "فليحملها أو يذرها".
° الوجه الثالث: الحديث دليل على أن القاضي يحكم على نحو ما يسمع من الخصمين من قوة الحجة ووضوح البرهان، وأنه لا إثم عليه في ذلك؛ لأنه مأمور بالحكم بالظاهر، والإثم والتبعة على من كسب القضية بالباطل؛ لقوله:(إنما أقطع له قطعة من النار). وقد بوب البخاري على هذا