الحديث في كتاب "المظالم" بقوله: (بابُ إثمِ من خاصم في باطل وهو يعلمه). والقاضي قد يغتر ببعض الخصوم؛ لبلاغته وحسن أسلوبه وقوة كلامه، وربما التبس الأمر بسبب ذلك، لكن يجب على من كسب القضية بمثل هذا أن يعلم أنه متى عرف أن الحكم في غير حقه وأنه لم يصادف الصواب في نفس الأمر فإن حكم القاضي لا ينفعه ولو كان الحاكم هو الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
° الوجه الرابع: في الحديث دليل على أن حكم الحاكم لا يغير حكمًا شرعيًّا في الباطن، فلا يحل حرامًا، فإذا شهد شاهدا زورٍ لإنسان بمال فحكم له به الحاكم بناءً على ذلك لم يحل هذا المال للمحكوم له، قال ابن فرحون:(حكم الحاكم لا يحل حرامًا، ولا يحرم حلالًا على من علمه في باطن الأمر؛ لأن الحاكم إنما يحكم بما ظهر، وهو الذي يعتد به، ولا يُنقل الباطن عند من علمه عما هو عليه من التحليل والتحريم)(١).
° الوجه الخامس: في الحديث دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز على غيره؛ لأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر من البينة واليمين ونحو ذلك، مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك، وإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفترق عن غيره في اطلاعه على بعض ما يطلعه الله عزَّ وجلَّ عليه من الغيوب الباطنة في ذلك في أمور خاصة لا في الأحكام العامة.
وإنما كلِّف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحكم بالظاهر مع إمكان إطلاع الله إياه على الباطن فيحكم بيقين نفسه من غير حجة أو يمين؛ ليكون قدوة وتشريعًا للأمة.
° الوجه السادس: في الحديث تسلية للحكام؛ لأنه إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يغتر بأحد الخصوم لقوة حجته فيحكم له، فإن غيره من باب أولى وأحرى، ولا سيما إذا ضعف الإيمان وانتشر الكذب وكثرت الحيل، والله المستعان.
° الوجه السابع: اتفق الأصوليون على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يُقَرُّ على خطأ