للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في الأحكام، ولا معارضة بين هذا وبين ما دل عليه الحديث، كما تقدم؛ لأن حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - نوعان:

١ - حكم مبني على اجتهاد، وهذا هو الذي لا يقر فيه على الخطأ.

٢ - حكم مبني على ما كلف به من البينة، وهذا إذا وقع منه ما يخالف ظاهره باطنه فإنه لا يسمى الحكم خطأ، بل الحكم صحيح بناء على ما أستقر به التكليف، وهو وجوب العمل بشهادة الشاهدين -مثلًا- فإذا كانا شاهدي زور فالتقصير منهما، بخلاف ما إذا أخطأ في الاجتهاد، فإن هذا الذي حكم به ليس هو حكم الشرع.

° الوجه الثامن: استدل العلماء بهذا الحديث على أن القاضي لا يحكم بعلمه، وذلك بأن يتحاكم إليه شخصان وهو يعلم أن المدعي صادق فيما ادعاه، فإنه لا يحكم بذلك بل لا بد من البينة، وهذا هو ظاهر المذهب عند الحنابلة، وقول مالك، وأحد قولي الشافعي، وهو اختيار ابن القيم (١).

ووجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه إنما يحكم بما يسمع، ومفهومه أنه لا يحكم بما يعلم؛ لأن الحديث جاء بأسلوب القصر، كما في رواية: "فإنما أقضي له بما أسمع" (٢).

والقول الثاني: أن للقاضي أن يحكم بعلمه، واستدلوا بقصة هند زوجة أبي سفيان لما قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك" (٣). فحكم لها النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير بينة ولا إقرار، لعلمه بصدقها وأنها زوجة أبي سفيان.

ولأن علم القاضي أقوى من الشهادة؛ لأنه يتيقن ما علمه، والشهادة قد تكون كذبًا، وهذا قول آخر للشافعي، ورواية عن أحمد، وهو قول الظاهرية،


(١) "المغني" (١٤/ ٣٠)، "فتح الباري" (١٣/ ١٣٨)، "الطرق الحكمية" ص (٢٠٩).
(٢) "فتح الباري" (١٣/ ١٧٧).
(٣) الحديث تقدم في "النفقات" برقم (١١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>