للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد ورد في كتاب «الرسالة» للشافعي قول بوجوب الغسل، وأنه لا تجزئ الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل، كما لا يجزئ في طهارة الجنب غير الغسل (١).

الوجه السادس: ظاهر قوله: (غسل يوم الجمعة) أن الغسل لليوم؛ للإضافة إليه، وهو قول الظاهرية، وبنوا على ذلك أن وقت الغسل يمتد عندهم من طلوع الفجر إلى أن يبقى من قرص الشمس مقدار ما يتم غسله قبل غروب آخره، فمن اغتسل في هذا الوقت فقد أدرك الفضيلة وأدى الواجب (٢).

وقال الجمهور من أهل العلم: إن الغسل للصلاة لا لليوم، لورود أدلة صريحة تؤيد ذلك، ومنها: حديث ابن عمر - المتقدم ـ: «إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل»، وعند ابن خزيمة: «من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء»، فهذا نص صريح في أن الغسل للصلاة لا لليوم؛ لأنه إنما شرع للنظافة وإزالة الروائح الكريهة، وهذا يناسب الصلاة، ولأن الجمعة اختصَّت بشرائع ليست لغيرها من الصلوات.

وأما حديث الباب الذي تمسكت به الظاهرية فلا يعني مطلق اليوم، وإنما المراد منه الصلاة؛ لأنها أعظم شعيرة تقام في هذا اليوم في جماعة في أكبر مساجد البلد، ومن مقتضاها النظافة؛ لكي لا يتأذى بعض المصلين ببعض، وهذا لا يتأتى بعد الصلاة لو قلنا بأنه يجزئ بعدها.

ومن هنا شرطت المالكية اتصال الغسل بالرواح إلى الصلاة، لتتحقق الحكمة من مشروعيته، بحيث لو طال الأمد بينه وبين الصلاة فعليه الإعادة، إلا أنه لا يضر الفصل اليسير (٣)، وأما الجمهور فلم يشترطوا الاتصال بالرواح، لكنهم استحبوا تأخيره إلى الذهاب، لكي يتأتى المقصود منه على أحسن الوجوه، والله تعالى أعلم


(١) "الرسالة" ص (٣٠٢).
(٢) "المحلى" (٢/ ١٩).
(٣) انظر: "المنتقى" للباجي (١/ ١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>