للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالتناجي هنا: أن يتحدث شخصان سرًّا بحيث لا يسمعهما الثالث؛ أي: لا يدري ما يقولان، وإن سمع بعض الكلمات، وفي معنى ذلك: إذا تحدثا جهرًا بلغة أجنبية لا يفهمها. وهذه الجملة خبرية لفظًا إنشائية معنى؛ لأنها بمعنى النهي، بدليل ثبوت الألف المقصورة على صورة الياء، ولو كانت لا ناهية لحذفت الألف للجزم، وذكر القرطبي (١)، وتبعه الحافظ (٢)، أنه في بعض النسخ من "الصحيح" بجيم فقط على النهي "فلا يتناجَ".

وخص الثلاثة بالذكر لأنه أول عدد يتصور فيه ذلك المعنى، وإلا فلو تناجى خمسة أو عشرة وتركوا واحدًا فكذلك، لوجود المعنى، بل قد يكون وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد (٣).

قوله: (حتى تختلطوا بالناس) أي: يختلط الثلاثة بالناس بحيث يكثر العدد، ويتمكن كل واحد من وجود من يناجيه.

قوله: (من أجل أن ذلك يحزنه) تعليل للنهي، وهو بضم الياء من أحزن الرباعي، والمعنى: أن حكمة النهي عن تناجي اثنين وترك الثالث هي أن الثالث يحزن، إما لاعتقاده أنهما لا يريانه أهلًا لمناجاتهما، وهذا إذا أحسن الظن بهما، أو لاعتقاده أن هذا التناجي من أجل تدبير شيء يسوءه، وهذا إذا أساء الظن بهما.

° الوجه الثالث: الحديث دليل على كمال الشريعة وعنايتها بمكارم الأخلاق ورعايتها لمصالح العباد، وحرصها على كل ما ينشر المحبة بين المسلمين، والنهي عن كل ما يؤدي إلى إدخال الأذى أو الحزن على أحد من المسلمين.

° الوجه الرابع: الحديث دليل على نهي الاثنين عن التناجي إذا كان في المجلس شخص ثالث، وظاهر النهي أنه للتحريم بدليل تعليله بقوله: "من أجل أن ذلك يحزنه" وقد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم أن إحزان المؤمنين من


(١) "المفهم" (٥/ ٥٢٤).
(٢) "فتح الباري" (١١/ ٨٢).
(٣) "فتح الباري" (١١/ ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>