للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تسويل الشيطان وتزيينه، قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: ١٠] أي: ليسوءهم، وقد نهينا عن اتباع طرقه ومسالكه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: ٢١]، ثم إن هذا التناجي فيه إيذاء للمؤمن، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨)} [الأحزاب: ٥٨]، قال ابن رجب: (تضمنت النصوص أن المسلم لا يحل إيصال الأذى إليه بوجه من الوجوه من قول أو فعل بغير حق) (١).

وقد نقل ابن بطال عن أشهب عن مالك أنه قال: لا يتناجى ثلاثة دون واحد؛ لأنه قد نهي أن يُتْرَكَ واحد، قال: ولا أرى ذلك ولو كانوا عشرة أن يتركوا واحدًا، قال ابن بطال: وهذا القول يستنبط من هذا الحديث؛ لأن المعنى في ترك الجماعة للواحد كترك الاثنين له (٢). وقال القرطبي: (بل وجود المعنى في العدد الكثير أمكن وأوقع، فيكون المنع أولى) (٣).

ولا فرق في ذلك بين الحضر والسفر لعموم الحديث، وهو قول الجمهور (٤)، وقد يكون السفر أعظم من أجل أن الخوف فيه أغلب على المرء والوحشة إليه أسرع، وقد ورد في هذا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " … ولا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة يتناجى اثنان دون صاحبهما" (٥).

° الوجه الخامس: دلّ الحديث بمفهومه على أنهم إذا كانوا أربعة لم يمتنع تناجي اثنين لإمكان أن يتناجى الاثنان الآخران، وقد أفتى بذلك راوي الحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، فقد روى البخاري في "الأدب المفرد" من


(١) "جامع العلوم والحكم" ص (٢٩٤).
(٢) "شرح ابن بطال" (٩/ ٦٤).
(٣) "المفهم" (٥/ ٥٢٥).
(٤) "فتح الباري" (١١/ ٨٤).
(٥) رواه أحمد (١١/ ٢٢٧) بسند فيه ابن لهيعة، وعلى فرض صحته فهو متعلق بعلة النهي الثانية وهي تدبير أمر يسوءه، كما تقدم. "فتح الباري" (١١/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>