للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (ولكن تفسَّحوا وتوسعوا) أي: وليقل الرجل لأهل المجلس: تفسحوا وتوسعوا، وهما بمعنى واحد، فالعطف تفسيري، وقيل: لكل لفظ معنى، فمعنى الأول أن يوسعوا فيما بينهم للداخل بحيث يجد مكانًا يجلس فيه، ومعنى الثاني أن ينضم بعضهم إلى بعض حتى يفضل في آخر المجلس مكان للداخل، وهذا أحسن من القول بالترادف؛ لأنه أكثر فائدة (١).

° الوجه الثاني: الحديث دليل على أنه لا يجوز لمسلم أن يقيم غيره من مكانه ثم يجلس هو فيه، هذا ظاهر النهي في الحديث، فمن سبق إلى موضع مباح في مسجد أو غيره لصلاة أو غيرها من الطاعات فهو أحق به، ويحرم على غيره أن يقيمه منه، وليس الحديث خاصًّا بموضع الطاعة بل يشمل من سبق إلى موضع مخصوص لتجارة أو حرفة أو غيرهما فيكون أحق بهذا المكان، وليس لغيره أن يجلس فيه.

والحكمة من ذلك منع استنقاص حق المسلم المقتضي للضغائن والأحقاد، والحث على التواضع وأسباب التآلف والمودة، وهذا إنما يكون بجلوس الشخص انتهى به المجلس، سواء أكان ذلك في صدر المجلس أو أسفله، فإذا دخل المسجد فإنه ينتهي إلى طرف الصف أو إلى سَدِّ الفرجة إن كان في الصف فرجة ولا يقيم أحدًا، وإذا دخل المجلس انتهى حيث ينتهي الجلوس. وذلك لأن طلب القادم محلًا مخصوصًا قد سبقه إليه غيره فيقيمه منه ليجلس هو فيه أو يضغطه به بغي وعدوان وليس ذلك من شأن أهل الإيمان (٢).

لكن لو قام القاعد من محله لغيره فظاهر الحديث الجواز، وقد روى مسلم من طريق الزهري، عن سالم، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان إذا قام له رجل عن مجلسه لم يجلس فيه (٣)، وهذا محمول من ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان لا يقبل


(١) "بهجة النفوس" (٤/ ١٩٥).
(٢) "دليل الفالحين" (٣/ ٣١٠، ٣١١).
(٣) "صحيح مسلم" (٢١٧٧) (٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>