للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذهب فريق ثالث إلى الجمع بين الأدلة، وهو أن أحاديث النهي محمولة على التنزيه، فهي نهي أدب وإرشاد حتى يكون تناول الماء على سكون وطمأنينة، وأحاديث شربه - صلى الله عليه وسلم - قائمًا محمولة على الجواز، ولا يكون ذلك مكروهًا في حقه - صلى الله عليه وسلم - أصلًا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - فعله لبيان الجواز، والبيان واجب عليه - صلى الله عليه وسلم -، وهذا قول الخطابي وابن جرير وابن بطال والنووي وآخرين (١)، وهذا هو الصواب؛ لأن فيه عملًا بالأحاديث كلها.

وقد ذكر ابن القيم أن أكثر شربه - صلى الله عليه وسلم - كان وهو قاعد، فينبغي للمسلم أن يحرص على ما كان هديًا معتادًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه هو الأفضل وهو الأكمل، فإن شرب قائمًا أحيانًا أو لحاجة فلا بأس إن شاء الله.

وأما الأكل قائمًا فلم يثبت فيه نهي، لكن ورد في حديث قتادة، عن أنس - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يشرب الرجل قائمًا. قال قتادة: فقلنا: فالأكل؟ فقال: ذاك أَشَرُّ أو أخبث (٢).

والمعنى إنه إذا نُهي عن الشرب قائمًا فالأكل من باب أولى؛ ولعل ذلك لطول زمن الأكل بالنسبة لزمن الشرب (٣)، والنهي فيه ليس للتحريم، بل هو لكراهة التنزيه (٤) بدليل حديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: كنا نأكل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام (٥).


(١) انظر: "معالم السنن" (٥/ ٢٨١)، "شرح ابن بطال" (٦/ ٧٢).
(٢) رواه مسلم (١٠٢٤) (١١٣).
(٣) انظر: "فتح الباري" (١٠/ ٨٢).
(٤) انظر: "تحفة الأحوذي" (٦/ ٤).
(٥) رواه الترمذي (١٨٨٠) في "جامعه" وفي "العلل الكبير" (٢/ ٧٩١)، وابن ماجه (٣٣٠١)، وابن أبي شيبة (٧/ ١٨ - ١٨) ومن طريقه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائده" (١٠/ ١١٣) من طريق حفص بن غياث، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -. قال الترمذي: (حديث حسن صحيح غريب) وقد نقل النووي تصحيح الترمذي في "رياض الصالحين" ص (٣٠٦) وأقره.
والحديث أعله كبار الحفاظ كابن معين وابن المديني وأحمد والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم، ورأى بعضهم أن حفص بن غياث وهم فيه، والصواب فيه حديث عمران بن حدير، عن أبي البَزَرَى يزيد بن عطارد، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - رواه أحمد =

<<  <  ج: ص:  >  >>