للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - (١) وما يأتي من حديث أنس - رضي الله عنه -، وسبب ذلك أنه ورد أحاديث أخرى من السنّة الفعلية معارضة في ظاهرها لهذا النهي، ومنها حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (شرب النبي - صلى الله عليه وسلم - قائمًا من زمزم) (٢). وعن النزال بن سَبْرة قال: أُتي عليٌّ - رضي الله عنه - على باب الرحبة (٣) بماء، فشرب قائمًا، فقال: (إن ناسًا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم، وإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كما رأيتموني فعلت) (٤). ومفاد ذلك جواز الشرب قائمًا، وهذا من تعارض القول والفعل عند الأصوليين.

فمن أهل العلم من ذهب إلى النسخ، وأن أحاديث جواز الشرب قائمًا ناسخة لأحاديث النهي، بقرينة عمل بعض الصحابة من الخلفاء الراشدين وغيرهم (٥) - رضي الله عنهم - وكذا من جاء بعدهم من التابعين بالجواز، وهذا رأي الأثرم وابن شاهين، وقد عكس ذلك ابن حزم، فادعى أن أحاديث النهي ناسخة لأحاديث الجواز متمسكًا بأن الجواز على البراءة الأصلية، وأحاديث النهي ناقلة عن البراءة مقررة لحكم الشرع (٦)، وهذا مسلك ضعيف، فإن النسخ لا يُصار إليه مع إمكان الجمع ولو ثبت التاريخ، ولهذا عدَّ النووي القول بالنسخ غلطًا فاحشًا (٧).

وذهب آخرون إلى أن أحاديث الجواز خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها فعل، وأحاديث النهي عامة للأمة؛ لأنها قول، وهذا مسلك ضعيف أيضًا؛ لأن فعل علي - رضي الله عنه - ينفي الخصوصية.


(١) رواه مسلم (٢٠٢٥).
(٢) رواه البخاري (٥٦١٧)، ومسلم (٢٠٢٧) (١١٧).
(٣) بفتح الراء والمهملة الموحدة: المكان المتسع، والمراد هنا: رحبة الكوفة. "فتح الباري" (١٠/ ٨١).
(٤) رواه البخاري (٥٦١٥).
(٥) انظر: "الموطأ (٢/ ٩٢٥ - ٩٢٦)، "فتح الباري" (١٠/ ٨٤)، "حكم الشرب قائمًا ص (٧١).
(٦) انظر: "تاريخ الحديث ومنسوخه" للأثرم ص (٢٣٠)، "الناسخ والمنسوخ من الحديث" لابن شاهين، ص (٤٢٣ - ٤٢٤)، "المحلى" (٧/ ٥١٩).
(٧) "شرح صحيح مسلم" (١٣/ ٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>