للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه" (١)، وهذه فائدة رابعة، وهي أن صلة الرحم علامة الإيمان بالله واليوم الآخر.

ومن ثمار صلة الرحم: تقارب الأسر، وتوادهم، وعطف بعضهم على بعض، وهي في الوقت نفسه رفعة للواصل وعزة ومحبة وكرامة.

ومن حكمة الإسلام أنه لم يحدد نوعًا من أنواع الصلة، بل ترك ذلك لعادة الناس في كل زمان ومكان، ثم إن ذلك يختلف باختلاف القدرة والحاجة، فالصلة أنواع ودرجات. يقول القاضي عياض: (الصلة درجات، بعضها فوق بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها ولو بالسلام … وهذا بحكم القدرة على الصلة وحاجتها إليه، فمنها ما يتعين ويلزم، ومنها ما يستحب ويرغب فيه، وليس من لم يبلغ أقصى الصلة يسمى قاطعًا، ولا من قصر عما ينبغي له ويقدر عليه يسمى واصلًا) (٢).

وقد رأيت كلامًا نفيسًا لابن بلبان يذكر صورًا كثيرة مما تحصل به الصلة، فيقول: (اعلم أن المراد بصلة الرحم موالاتهم ومحبتهم أكثر من غيرهم؛ لأجل قرابتهم، وتأكيد المبادرة إلى صلحهم عند عداوتهم، والاجتهاد في إيصالهم كفايتهم بطيب نفس عند فقرهم، والإسراع إلى مساعدتهم ومعاونتهم عند حاجتهم، ومراعاة جبر خاطرهم مع التعطف والتلطف بهم، وتقديمهم في إجابة دعوتهم، والتواضع معهم في غناه وفقرهم وقوته وضعفهم، ومداومة مودتهم ونصحهم في كل شؤونهم، والبداءة بهم في الدعوة والضيافة قبل غيرهم، وإيثارهم في الإحسان والصدقة والهدية على من سواهم؛ لأن الصدقة عليهم صدقة وصلة في معناها الهدية ونحوها، ويتأكد فعل ذلك مع الرَّحَمِ الكَاشِحِ المُبْغِضِ، عساه أن يرجع عن بغضه إلى مودة قريبه ومحبته، وفي الحديث: "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم


(١) رواه البخاري (٦١٣٨).
(٢) "إكمال المعلم" (٨/ ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>