للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعضًا، ويقيد بعضها بعضًا (١).

قوله: (قاطع) هذا لفظ مجمل يحتمل عدة معانٍ، ولذا فسّره الراوي سفيان بن عيينة، وكأن قاطع الرحم لعظيم إثمه ومزيد الاعتناء به لا ينصرف هذا اللفظ إلا إليه.

والقاطع: اسم فاعل من مادة قطع التي تدل على صَرْمٍ وإبانة شيء من شيء، وقَطَعَ رَحِمَهُ: عقها ولم يصلها، والقطع والقطيعة: الهِجران وضد الوصل (٢).

* الوجه الثالث: الحديث دليل على تحريم قطيعة الرحم، وأن ذلك من كبائر الذنوب؛ لثبوت الوعيد على القطيعة من الكتاب والسنّة، قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيتُمْ إِنْ تَوَلَّيتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢)} [محمد: ٢٢] والمعنى: أنكم إن أعرضتم وتوليتم أفسدتم في الأرض بالعمل بالمعاصي وقطيعة الأرحام، وعدتم إلى ما كنتم فيه من الجاهلية، تسفكون الدماء، وتقطعون الأرحام، فيصيبكم تشتت وتفرق وبغض، بعدما جمعكم الله، وألَّف بينكم، ففي الآية نهى عن الإفساد في الأرض عمومًا، وعن قطع الأرحام خصوصًا (٣). وفي الآية عقوبة أخروية: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [محمد: ٢٣] أي: أبعدهم عن رحمته، وعقوبة دنيوية: {فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: ٢٣] فجعلهم لا يسمعون ما ينفعهم ولا يبصرونه، فلهم آذان، ولكن لا تسمع سماع إذعان وقبول، ولهم أعين، ولكن لا يبصرون بها العبر والآيات، ولا يلتفتون بها إلى البراهين والبينات (٤).

وقال تعالى عن المَثَلِ الذي ضربه في الآيات التي قبل هذه الآية: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلا الْفَاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ


(١) انظر: "إكمال المعلم" (٨/ ٢٠)، "دليل الفالحين" (٢/ ١٨٤)، "فتح المجيد" ص (٣٢٠)، "القول المفيد" (٢/ ١١٢)، "التعليق على صحيح مسلم" للشيخ محمد بن عثيمين (١/ ٢١٦، ٢٦٠، ٣٢٠، ٤٣٩).
(٢) "معجم مقاييس اللغة" (٥/ ١٠١).
(٣) انظر: "تفسير ابن كثير" (٧/ ٣٠٠).
(٤) "تفسير ابن سعدي" ص (٧٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>