للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٢٧)} [البقرة: ٢٦ - ٢٧]. فجعل من صفات الفاسقين قطع ما أمر الله بوصله، وهو قطع عام، يدخل فيه قطع الرحم، بل روى ابن جرير بسنده، عن قتادة أنه فسر الآية بقطيعة الرحم والقرابة، ورجح هذا ابن جرير، بدليل قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيتُمْ إِنْ تَوَلَّيتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢)} (١) [محمد: ٢٢].

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله" (٢).

* الوجه الرابع: لم يرد في نصوص الشريعة بيان لما تكون به القطيعة، وهي تحصل إما بالإساءة إلى الرحم، وهذا أشد أنواع القطيعة، وإما بترك الإحسان إليهم فلا يصلهم ببره ولا يمدهم بإحسانه ولا بإرشاده ونصحه، ومن برّهم زيارتهم والسلام عليهم وخدمتهم، وعيادة مريضهم وإجابة دعوتهم، وضد ذلك قطيعة.

ومن مظاهر القطيعة: تحزيب الأقارب، وتأليب بعضهم على بعض لأدنى سبب، فيترتب على ذلك تفريق كلمتهم، وتشتيت شملهم، فتظهر الأحقاد والضغائن، ويحصل التباعد، وينشأ الصغار منهم على عدم معرفة أقاربهم وأرحامهم. وهذا من الخطأ البيّن، خطأ في سماع الوشايات، وخطأ في ترتيب الأحكام عليها.

* الوجه الخامس: ما جاء في نصوص الكتاب والسنّة من الوعيد هو من نتائج قطيعة الرحم ومضارها، ففي القطيعة انقطاع الصلة بالله تعالى، والبعد عن رحمته ورضاه، وقطيعة الرحم تثير العداوة، وتورث الأحقاد، وتقطع أواصر العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأُسر، وهي سبب في التشتت والتفرُّق، وهذا أمر محسوس، والله المستعان.


(١) انظر: "تفسير الطبري" (١/ ٤١٥، ٤١٦)، "تفسير ابن كثير" (١/ ٩٦).
(٢) رواه البخاري (٥٩٨٩)، ومسلم (٢٥٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>