للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على رواية: الجاره) فهو عام في الجار المسلم والكافر، والصالح والفاسد، والقريب والأجنبي، فصار كل واحد من اللفظين أعم من الآخر من وجه، والظاهر أن المراد لفظة (أخيه) لأنها أعم؛ لأن الغالب في بلاد الإسلام أن الجار مسلم (١). وحذف المعمول يؤذن بالعموم؛ أي: حتى يحب لجاره أو لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات، وقد جاء التصريح بذلك في رواية عند النسائي من طريق حسين المعلم عن قتادة: (حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير) (٢). وهذا إذا كان جاره أخًا له، فإن كان كافرًا أحبّ له الدخول في الإسلام مع ما يحب لنفسه من المنافع بشرط الإيمان.

قوله: (ما يحب لنفسه) أي: مثل ما يحب لنفسه من الخير، ولم يَنُصَّ على أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه؛ لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه.

* الوجه الثالث: الحديث دليل على أن من كمال إيمان العبد أن يحب لجاره ولأخيه المسلم ما يحب لنفسه، بحيث يسره ما يسره، ويسوءه ما يسوءه، ويعامله بما يحب أن يعامله به، يأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر، ويرشده إلى ما ينفعه، ويحذره مما يضره.

وهذا يدل على أنه ينبغي أن يكون المؤمن مع المؤمن كالنفس الواحدة، فيحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه من حيث إنها نفس واحدة، ويكره له ما يكره من الشر، وهذا يتضمن أن يُفَضِّلَ أخاه على نفسه؛ لأن كل أحد يحب أن يكون أفضل من غيره، فإذا أحب لغيره ما يحب لنفسه، فقد أحب أن يكون غيره أفضل منه (٣).

وإلى هذا أشار الفضيل بن عياض بقوله لسفيان بن عيينة: (إن كنت تريد أن يكون الناس مثلك، فما أديت لله الكريم النصيحة، فكيف وأنت تود أنهم دونك) (٤).


(١) "التعليق على صحيح مسلم" للشيخ محمد بن عثيمين (١/ ٢١٤).
(٢) رواه النسائي (٨/ ١١٥)، وأحمد (٢٠/ ٣٩٤، ٣٩٥).
(٣) انظر: "المفهم" (١/ ٢٢٧).
(٤) "شعب الإيمان" (٦/ ٣٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>