للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إثمه (١). وهذا يروى عن الحسن ومالك في رواية ابن وهب، وقال به طائفة من الحنابلة (٢)، ونسبه النووي إلى الشافعية (٣)، وقد جاء عن الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد وقد سأله رجل عن ابنة عم له تنال منه وتظلمه وتشتمه وتقذفه، فقال: (سَلِّمْ عليها إذا لقيتها، اقطع المصارمة، المصارمة شديدة)، قال ابن مفلح: (فظاهره أن السلام يقطع المصارمة مطلقًا) (٤)، وقد يقال: إن كلام الإمام أحمد في السلام على هذه المرأة لكونها أجنبية عنه، إذ لا يمكن مجالستها ونحو ذلك مما يقطع الهجر.

والقول الثاني: أنه لا ينقطع الهجر إلا بعودهما إلى ما كان عليه قبل الهجر من السلام والكلام والمجالسة ونحو ذلك، واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا" وهذا مروي عن مالك، ونسبه الحافظ إلى أحمد، وابن القاسم المالكي، قال الإمام أحمد: (لا يبرأ من الهجرة إلا بعود الحال التي كان عليها أولًا) (٥).

القول الثالث: التفصيل بين الأقارب والأجانب، فالأجانب يزول الهجر بمجرد السلام، والأقارب بعود المودة السابقة لوجوب صلة الرحم.

والذي يظهر -والله أعلم- أن السلام لا يكفي، وليس في الحديث ما يدل على أنه يكفي، وإنما هو إثبات فضيلة من يحاول إزالة الهجر ويبدأ بالسلام، وهو أول طريق لإزالة الهجر، لكنه لا يكفي لإزالة الهجر، بل لا بد أن تعود حالهما إلى ما كانت عليه قبل الهجر، لا سيما إذا كانت من عادتهما الاجتماع والكلام والمصافحة، وما أحسن قول الإمام أحمد رَحمهُ الله في رواية


(١) "تحية السلام في الإسلام" (٢/ ٧٧٥).
(٢) "التمهيد" (٦/ ١٢٧)، "جامع العلوم والحكم" شرح الحديث (٣٥)، "كشاف القناع" (٢/ ١٥٤)، "حاشية العدوي على كفاية الطالب" (٢/ ٣٩٥)، "الفواكه الدواني" (٢/ ٣٨٨)، "شرح ثلاثيات المسند" (٢/ ١٠٢).
(٣) "شرح صحيح مسلم" (١٦/ ٣٥٤).
(٤) "الآداب الشرعية" (١/ ٢٥٤).
(٥) "التمهيد" (٦/ ١٢٧ - ١٢٨)، "فتح الباري" (١٠/ ٤٩٦)، "شرح ثلاثيات المسند" (٢/ ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>