للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الثالث: هذا حديث عظيم قال عنه النووي: إنه جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب، زاد ابن علان: (والفضائل والفوائد والأحكام) (١).

فقد دلّ هذا الحديث على فضل التعارف والتقارب بين المسلمين؛ لأن أفراد المجتمع المسلم أعضاء من جسد واحد، وأن المسلم يشاطر أخاه فرحه وحزنه، فَيُسَرُّ لما يحظى به من فرح وسرور وما يتمتع به من صحة وسعادة، ويتألم لما فيه من ضيق وأذى وما يصيبه من مرض أو فاقة.

• الوجه الرابع: الحديث دليل على فضل من نفّس عن أخيه المسلم كربة ومصيبة من مصائب الدنيا التي توقعه في غم وهم وضيق، وتفريج الكربة إما بإعطائه من ماله إن كانت كربته من حاجة كدَيْن لزمه أداؤه، أو نفقة أعسر بها، أو ببذل جاهه في طلبه له من غيره، وإما أن يكون تفريج الكربة بالسعي لإزالة مظلمة عنه بسبب ظلم وقع عليه، فيسعى في رفعها أو تخفيفها، وهذا باب واسع، وضابطه: إزالة كل ما ينزل بالعبد أو تخفيفه.

• الوجه الخامس: الحديث دليل على فضل التيسير على المعسر إما بإنظاره، وهذا واجب، قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠]، وإما بأن يضع الدائن عن مدينه أو يضع جزءًا منه، أو يُعطى ما يزول به إعساره، فكل هذا من التيسير المندوب إليه، وهو داخل في تفريج الكرب، ولكنه خصه بالذكر لأنه أبلغ، وقد ثبت فيه فضل عظيم وأجر جزيل، ومن ذلك حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئًا؟ قال: لا، قالوا: تَذَكَّرْ، قال: كنت أُداين الناس، فآمر فتياني أن يُنظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر، قال الله عزَّ وجلَّ: تجوزوا عنه" (٢). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه:


(١) "شرح صحيح مسلم" للنووي (١٧/ ٢٤)، "دليل الفالحين" (٢/ ٣٨).
(٢) رواه البخاري (٢٠٧٧)، ومسلم (١٥٦٠). وانظر: "فتح الباري" (٤/ ٣٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>