للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مثل حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" (١). وهذا يشمل الدعوة بالقول؛ كالتعليم والموعظة والإفتاء، والدعوة بالفعل وهي القدوة الحسنة؛ لأن الذي يُقتدى به إذا فعل شيئًا أو ترك شيئًا تبعه الناس، فكأنه بهذا الصنيع دعا الناس إلى فعله أو تركه، وقد دلَّ على هذا المعنى قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠] وقد فهم سلف هذه الأمة من هذه الآية أن الخيرية قد حصلت للأمة لكونهم أنفع الناس للناس، وذلك بدلالة الناس على الخير، وتحذيرهم من ضده (٢).

وهذا فيه فوائد عظيمة، ومنها: أن هذا المرشد إلى الخير ينال من الأجر مثل أجر من أرشده، ومنها: أن الإرشاد إلى الخير تحقيق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو مشاركة عظيمة في إصلاح المجتمعات، ومنها: التعاون على البر والتقوى، ونشر آداب الإسلام وأحكامه بين أفراد المجتمع، وهذا يحقق للمجتمع حياة السعادة والرشاد.

ومن هذه الأدلة وغيرها قرر المحققون من أهل العلم في أبواب المفاضلة بين الأعمال تفضيل الأعمال المتعدية على الأعمال القاصرة، مثل خدمة الفقراء، وتعليم العلم، والاشتغال بالتأليف والعناية بمصالح الناس وقضاء حوائجهم، ومساعدتهم بالمال والجاه والشفاعة، وذلك لما يحصل بالأعمال المتعدية من عموم النفع، ولما يحصل بها من استمرار الأجر، فإن صاحب النفع لا ينقطع عمله، ما دام نفعه الذي نُسب إليه، وهذه وظيفة الأنبياء والمرسلين، ومن اقتدى بهم من الدعاة المخلصين (٣).

فينبغي للمسلم ولا سيما طالب العلم أن يحرص على الدلالة على الخير


(١) رواه مسلم (١٠١٧).
(٢) انظر: "تفسير ابن كثير" (٢/ ٧٧).
(٣) انظر: "مدارج السالكين" (١/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>