للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قولها: (فردَّه) أي: لم يأخذه، وفي رواية: (فناولته خرقة فلم يُرِدْهَا) وهي بضم الياء وكسر الراء المخففة، أي: لم يأخذها، كما في رواية أخرى.

قولها: (وجعل ينفض الماء بيده) أي: يسلته من على جسده، وقولها: (بيده) يحتمل بيد واحدة أو باليدين الثنتين.

الوجه الثالث: الحديث دليل على مشروعية الغسل من الجنابة على هذه الكيفية، اقتداءً بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، فيبدأ بغسل كفيه ثلاثاً - كما في بعض الروايات - لأنهما أداة غرف الماء من الإناء، ثم يغسل فرجه فينظفه؛ لأنه محل التلوث في الجنابة، ثم يدلك يده اليسرى على الأرض لإزالة ما علق بها من غسل الفرج، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً، ثم يخلل بيده شعر رأسه بالماء إن كان شعره كثيفاً، فإذا ظن أنه أرواه صب عليه الماء ثلاث مرات، ثم يغسل باقي جسده بعد ذلك، ثم يغسل رجليه؛ لأن كل ما تحدر من جسده من أوساخ وفضلات أصابت رجليه، فكان حقهما أن يُطهرا بعد ذلك، وقد جاء في بعض الروايات من حديث ميمونة رضي الله عنها: (ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه) وهذا أبلغ في تطهيرهما.

واعلم أن صفة غسل النبي صلّى الله عليه وسلّم جاء من حديث عائشة وميمونة رضي الله عنهما، وبينهما بعض الفروق في الصفة، وهذا كثير في العبادات؛ يفعلها النبي صلّى الله عليه وسلّم على وجوه متنوعة، فيكون في ذلك توسعة على الأمة، فعلى أي وجه فعلوها مما ورد أدركوا السنة، وتمام السنة أن يفعلوها على الوجوه كلها، أحياناً على وجه، وأحياناً على الوجه الآخر.

وقد ذكر العلماء أنه إذا عمّ بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق أجزأ ذلك ولو لم يتوضأ قبله، لكنه ترك السنة، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦]، ومن عَمَّ بدنه بالغسل مرة واحدة صدق عليه أنه تطهر، ولأن الله تعالى لم يفصِّل في الغسل، كما فصّل في الوضوء، فدل على أنه لا يجب الغسل على صفة معينة، ويؤيد ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم للرجل الذي كان جنباً ولم يصل: «خذ هذا وأفرغه عليك» (١).


(١) أخرجه البخاري (٣٤٤) وأصله في مسلم (٦٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>