للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فاتركه" (١). وقال بعض السلف: (لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس). ويروى حديثًا مرفوعًا (٢). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الورع المشروع ترك ما قد يضر في الدار الآخرة)، فيدخل في ذلك المحرمات والشبهات؛ لأنها قد تضر، بدليل حديث النعمان - رضي الله عنه - الآتي، وقال: (الورع المشروع هو الورع عما قد تخاف عاقبته، وهو ما يُعلم تحريمه وما يشك في تحريمه، وليس في تركه مفسدة أعظم من فعله).

والمراد بذلك: ترك المحرمات والشبهات التي لا يستلزم تركها ترك ما فعله أرجح منها كالواجبات (٣).

مثل من يترك أخذ الشبهة ورعًا مع حاجته إليها، ويأخذ بدلها محرمًا بيّنًا تحريمه، أو يترك واجبًا تركه أعظم فسادًا من فعله مع الشبهة، كمن يكون عليه أو على أبيه ديون هو مطالب بها، وليس له وفاء إلا من مال فيه شبهة، فيتورع عنها ويدع ذمته وذمة أبيه مرتهنة (٤).

وتمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات، ويفعل محرمات، ويرى ذلك من الورع (٥).

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الواجبات والمستحبات لا يصلح فيها زهد ولا ورع، وأما المحرمات والمكروهات فيصلح فيها الزهد والورع، وأما المباحات فيصلح الزهد دون الورع (٦).


(١) "مدارج السالكين" (٢/ ٢٢).
(٢) رواه الترمذي (٢٤٥١)، وابن ماجه (٤٢١٥)، وقال الترمذي: (هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه) وفي سنده عبد الله بن يزيد الدمشقي، وهو ضعيف. انظر: "تهذيب الكمال" (١٦/ ٣١٩).
(٣) "الفتاوى" (١٠/ ٢١).
(٤) "الفتاوى" (١٠/ ٥١٢).
(٥) المصدر السابق.
(٦) "الفتاوى" (١٠/ ٦١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>