للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مصدر سَقِمَ من باب تَعِبَ: طال مرضه، وسَقُمَ سُقْمًا من باب قَرُبَ فهو سَقيم (١)، ولفظ البخاري -كما تقدم-: (وخذ من صحتك لمرضك) وهذا على حذف مضاف؛ أي: وقت صحتك، والمعنى: أن يغتنم الإنسان وقت الصحة بالأعمال الصالحة؛ لأن المرض قد يطرأ، فيعجز الإنسان عن الأعمال التي كان يعملها في حال الصحة.

قوله: (ومن حياتك لموتك) أي: وخذ من زمن حياتك لموتك، وهذه الجملة إما أنها مؤكدة لما قبلها، وإما أنها مؤسسة، فيكون معناها أعم مما قبلها، وذلك بأن يراد بها الإكثار من الطاعات ولو في زمن المرض المتمكن فيه منها، فيكون فيه ترقٍّ وزيادة في التحريض على اغتنام الطاعة وعدم التواني فيها مع إمكانها ولو كان فيها نوع مشقة على النفوس لمرض أو غيره.

• الوجه الثالث: الحديث دليل على وجوب اغتنام الأوقات، والحث على قِصَرِ الأمل، وتقديم التوبة والاستعداد للموت، وهذا الحديث من أبلغ الكلام في التذكير بالآخرة وعدم الاغترار بالدنيا، وذلك أن الدنيا فانية، مهما طال عمر الإنسان فيها، فهي دار ممر لا دار مقر، وكل نفس ذائقة الموت، وهذه حقيقة مشاهدة، نراها كلَّ يوم وليلة، ونحس بها كلَّ ساعة ولحظة، وإذا كان الإنسان لا يدري متى ينتهي أجله ويأتيه الموت، فعليه أن يستعد للرحيل، وأن يكون عابر سبيل، فلا يركن إلى الدنيا ولا يتعلق بها ولا يتخذها وطنًا ولا تحدثه نفسه بالبقاء فيها، فلا يتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه الذي سيفارقه مهما تكن راحته وهناؤه، وأن يكون فيها كالمسافر الذي يكتفي بسفره بالقليل الذي يساعده على بلوغ غايته وتحقيق مقصده.

ولقد أدرك الصحابي الجليل عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - موعظة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) "المصباح المنير" ص (٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>