للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إدراكًا علميًّا وعمليًّا، وأخذ منها هذه الوصايا الثلاث العظيمة وأرشد غيره إليها:

الأولى: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء) ومعنى ذلك: حث المؤمن على قِصَرِ الأمل في هذه الحياة، وأنه ينبغي له إذا أمسى لا ينتظر الصباح، وإذا أصبح لا ينتظر المساء، بل يظن أن أجله مدركه قبل ذلك.

الوصية الثانية: (وخذ من صحتك لسقمك) والمعنى: أنه ينبغي للمؤمن أن يغتنم أوقات الصحة وسلامة البدن من العلل، وذلك بفعل الخير والإكثار من الطاعات، قبل أن يحول بينه وبينها السُّقْمُ، فيعجز عن الصيام والقيام وسائر الأعمال، إذا اعتراه مرض أو علة أو كِبَرٌ.

الوصية الثالثة: (ومن حياتك لموتك) والمعنى: أنه ينبغي للمؤمن أن يغتنم زمن الحياة وساعات العمر بتقديم الزاد، ولا يفرط حتى يدركه الموت، ويحول بينه وبين الأعمال الصالحة، يقول سفيان الثوري: (من لعب بعمره ضيع أيام حرثه، ومن ضيع أيام حرثه ندم أيام حصاده) (١).

وقد ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" (٢).

قال ابن الجوزي: (اعلم أنه قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا للعبادة لاشتغاله بأسباب المعاش، وقد يكون متفرغًا من الأشغال ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا للعبد ثم غَلَبَ عليه الكسل عن نيل الفضائل، فذلك الغبن، كيف والدنيا سوق الرَّباح، والعمر أقصر، والعوائق أكثر) (٣).

ويروى -أيضًا- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل وهو


(١) "حفظ العمر" لابن الجوزي ص (٦٥).
(٢) رواه البخاري (٦٤١٢).
(٣) "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (٢/ ٤٣٧ - ٤٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>