للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الغنى عن كثرة العَرَضِ ولكن الغنى غنى النفس" (١).

قوله: (الخفي) بالخاء المعجمة، وذكر القرطبي أن جمهور الرواة قيدوه بذلك من الخفاء (٢)، وذكر القاضي عياض أن بعض رواة مسلم رووا هذه اللفظة بالحاء المهملة (الحفي) ومعناها بالخاء المعجمة: المعتزل عن الناس الذي يخفى عليهم مكانه، وقيل: هو الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بها وبأمور نفسه التي تعنيه دينًا ودنيا (٣).

ومعناها بالحاء المهملة: المتحفي بأهله، الوصول إليهم بماله، الساعي في حوائجهم، ويؤيد المعنى الأول فعل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -.

• الوجه الثالث: في الحديث دليل على إثبات صفة المحبة لله تعالى، والمحبة من صفات الله تعالى الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، وهي محبة حقيقية تليق بالله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤]، وأما تفسيرها بالثواب أو بالرضا ونحو ذلك، فهذا تعطيل؛ لأنه خلاف ظاهر النصوص، وخلاف طريقة السلف، وليس عليه دليل.

• الوجه الرابع: الحديث دليل على أن من أسباب محبة الله تعالى للعبد أن يتصف بهذه الصفات الثلاث:

الأولى: أن يكون متقيًا لله تعالى قائمًا بأوامره مجتنبًا نواهيه، مستقيمًا على طاعة الله تعالى، صادقًا في قوله، مخلصًا في عمله، وسيأتي الكلام على التقوى - إن شاء الله - عند شرح الحديث (١٥٤٢).

الثانية: أن يكون غنيًّا بالله تعالى مستغنيًا عما في أيدي الناس، راضيًا بما قسم الله له، فلا يتعلق قلبه بما في أيدي الناس ولا يتعلق بالدنيا، بل


(١) رواه البخاري (٦٤٤٦)، ومسلم (١٠٥١) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وانظر: "رياض الصالحين" ص (٢٥٦).
(٢) "المفهم" (٧/ ١٢٠).
(٣) "إكمال المعلم" (٨/ ٥١٧)، "اللسان" (١٤/ ٢٣٦)، "دليل الفالحين" (٣/ ٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>