للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رزقه الله القناعة والكفاف، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد أفطح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه" (١). وهذا هو الغنى حقيقة، إنه غنى النفس؛ لأن غني النفس راضٍ بقضاء الله وقدره، قد كفت نفسه عن المطامع، وصارت عزيزة لم تذلها المطامع والتطلعات إلى ما في أيدي الناس، ومثل هذا يحصل له من الثناء وعلو المكانة أكثر من الغنى بكثرة العرض (٢).

الثالثة: أن يكون خفيًّا، لا يتعرض للشهرة، ولا يرغب فيها، لكن لو اشتهر بدون قصد منه، اشتهر بطاعة الله وعبادته، أو اشتهر بالعلم، أو بالجاه، أو بالبذل والعطاء، أو نحو ذلك، فهذا من البشرى التي عجلت له.

• الوجه الخامس: استدل العلماء بهذا الحديث على فضل اعتزال الناس على مخالطتهم إما مطلقًا أو عند فساد الناس والزمان وخوف الفتنة في الدين (٣). قال الخطابي: (كان سعد رحمه الله ممن اعتزل أيام الفتنة، فلم يكن مع أحد من الفريقين، فأرادوه على الخروج فأبى وضرب لذلك مثلًا) (٤).

والعزلة عن الناس فيها فوائد، ومنها: التفرغ لعبادة الله تعالى، والتخلص من المعاصي التي يتعرض لها الإنسان بالمخالطة من الرياء والغيبة، والسلامة من قرناء السوء وعشاق الدنيا، وحفظ الوقت، وحفظ اللسان من فضول الكلام.

وسيأتي تفصيل مسألة العزلة في آخر باب (الترغيب في مكارم الأخلاق) إن شاء الله. والله تعالى أعلم.


(١) رواه مسلم (١٠٥٤).
(٢) "المفهم" (٣/ ٩٥).
(٣) انظر: "العزلة" للخطابي ص (٧١).
(٤) "العزلة" ص (٧١، ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>