للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أداته: إنما، وفيه قصر الشدة على من يملك نفسه عند الغضب، من قصر الصفة على الموصوف.

والمعنى: ليس القوي الممدوح هو القوي الذي لا يصرعه الرجال ولا يغلبونه، بل يصرعهم ويطرحهم، وإنما هو الذي يملك نفسه عند الغضب؛ لأن الغضب في حكم الأعداء الكثيرين، وغَلَبَةُ النفس عما تشتهيه في حكم من هو شديد القوة في غلبة الجماعة الكثيرين فيما يريدون منه، وسرعة الغضب والانقياد له عنوان ضعف الإنسان ولو ملك السواعد القوية والجسد الصحيح.

والغضب: نقيض الرضا، وهو مصدر غضب يغضب غضبًا، قال ابن فارس: (الغين والضاد والباء أصل صحيح يدل على شدة وقوة، يقال: الغَضْبة: الصخرة الصلبة، قالوا: ومنه اشتق الغضب؛ لأنه اشتداد السُّخْط).

والغضب: ثوران دم القلب لإرادة الانتقام (١). والفرق بينه وبين الغيظ، قيل: متلازمان، والصحيح أن بينهما فرقًا، وهو أن الغضب ما يظهر على الجوارح ويتبعه الانتقام، والغيظ فعل النفس، ولا يظهر على الجوارح (٢).

• الوجه الثالث: الحديث دليل على أن مجاهدة النفس عند الغضب أشد من مجاهدة العدو؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوة، فهو أقوى وأكمل من الذي يصرع الناس ويطرحهم بقوته، وفي هذا دليل على أنه ينبغي لمن غضب وأرادت منه النفس المبادرة إلى الانتقام ممن أغضبه أن يجاهدها ويمنعها عما طلبت، فَيُثَبِّتُ نفسه، ويتذكر عاقبة الغضب وما يترتب عليه، ويتذكر فضل كظم الغيظ في قوله تعالى في ذكر صفات من أعدت لهم الجنة: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيظَ} [آل عمران: ١٣٤]. وهذا أسلوب من أساليب علاج الغضب وهو العلاج بالكظم، ومعناه: إحداث مقاومة ذاتية داخلية،


(١) "معجم مقاييس اللغة" (٤/ ٤٢٨)، "المفردات في غريب القرآن" ص (٣٦١)، "المصباح المنير" ص (٤٤٨).
(٢) "المحرر الوجيز" (٢/ ٣٥٨)، "روح المعاني" (٤/ ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>