للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حرص، ومن ذلك الشح، وهو البخل مع حرص) (١).

فالشح: هو البخل مع الحرص الشديد، وعلى هذا فالشح أشد من البخل؛ لأنه بخل مع حرص، فهو شحيح قبل حصول المال بخيل بعد حصوله، وقيل: إن الشح عام، والبخل يكون بالمال (٢)، قال ابن رجب في تعريف الشح: (هو تشوق النفس إلى ما حرم الله ومنع منه، وعدم قناعة الإنسان بما أحلَّه الله من مال أو فرج أو غيرهما، … والبخل هو إمساك الإنسان ما في يده .. ) (٣) وقد جاء عن السلف تفسير الشح بهذا المعنى، وأنه تناول الإنسان ما ليس له ظلمًا وعدوانًا، ولم أر هذا في كتب اللغة، ولعل مراد السلف أن البخل المتناهي يبلغ بصاحبه إلى أن يأكل مال أخيه وتطمح عينه إلى ما ليس له (٤).

وقد مضى الكلام على الشح والبخل في باب (النفقات) (٥).

قوله: (أهلك من كان قبلكم) أي: من الأمم، ونسبة الهلاك إلى الشح من باب المجاز العقلي، لعلاقة السببية، مثل: أنبت الربيع العشب، وبنى الأمير قصرًا.

والمراد بالهلاك: الهلاك الحسي في الدنيا، وقيل: الهلاك في الآخرة، ويؤيد الأول تمام الحديث: "حملهم على أن سفكوا دماءهم … " أي: قتل بعضهم بعضًا بسبب طلب المال والحرص عليه، "واستحلوا محارمهم" أي: استباحوا ما حرم الله عليهم من أكل الأموال وسفك الدماء، ومن ذلك أنهم احتالوا على بيع ما حرم الله عليهم أكله؛ كالشحوم جملوها فباعوها. وهذا هلاك في الدنيا ويتبعه هلاك في الآخرة، إذ لا مانع من حمل الحديث على المعنيين.


(١) "معجم مقاييس اللغة" (٣/ ١٧٨).
(٢) انظر: "الوابل الصَيِّب" ص (٤١)، "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (١٠/ ١٤).
(٣) "شرح حديث ما ذئبان جائعان" ص (٣١). وانظر: "تفسير ابن كثير" (٨/ ٩٧ - ٩٨).
(٤) انظر: "روح المعاني" (٢٨/ ٥٣).
(٥) انظر: شرح الحديث (١١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>