للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الثالث: في الحديث تحذير من الظلم وأمر باجتنابه والابتعاد عنه؛ لأن عاقبته خطيرة كما تقدم.

• الوجه الرابع: التحذير من الشح وبيان أنه إذا فشا في المجتمع فهو علامة الهلاك؛ لأنه سبب من أسباب الظلم والبغي والعدوان وسفك الدماء، فهو يحمل على القتل وأخذ المال ويحمل على السرقة والخيانة، كما يحمل على قطيعة الرحم، فلا يصل الشحيح أرحامه، ولا يحسن إليهم لحبه المال وحرصه عليه، وقد يظلمهم بالتعدي على أموالهم إما بجحدها أو سرقتها أو أخذها.

ويروى عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال لجلسائه يومًا: أيهما أشد، البخل أو الشح؟ فاختلفوا، فقال لهم: (الشح أشد من البخل؛ لأن الشحيح يَشُحُّ على ما في يديه فيحبسه، ويشح على ما في أيدي الناس حتى يأخذه، وأما البخيل فهو يبخل على ما في يديه) (١).

إن الشح خصلة ذميمة تنافي كمال الإيمان، وتؤدي إلى التعدي على ما حرم الله ومنع منه من مال أو غيره، حتى قيل: إن الشح رأس المعاصي كلها، وقد عَلَّقَ الله الفلاح على الوقاية والسلامة منه، فقال عز من قائل: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩].

يقول الحافظ ابن رجب: (حصر الله الفلاح في وقاية شُحِّ نفسه، وتَطَلُّعِهَا إلى ما مُنعت منه، وحرصها على ما يضرها مما تشتهيه: من عُلُوِّ وترفع، ومالٍ وجاهٍ وأهل ومسكن، ومأكل ومشرب وملبس وغير ذلك، فإنها تتطلع إلى ذلك كله وتشتهيه، وهو عين هلاكها، ومنه ينشأ البغي والحسد والحقد، فمن وُقي شح نفسه فقد قهوها وقصرها على ما أُبيح لها وأُذن لها فيه، وذلك عين الفلاح) (٢). والله تعالى أعلم.


(١) "مساوئ الأخلاق" للخرائطي (١٤١).
(٢) "شرح حديث لبيك اللهم لبيك" ضمن رسائل ابن رجب (١/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>