للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الخامس: في الحديث دليل على تحريم إخلاف الوعد وأنه من خصال المنافقين، واخلاف الوعد يصدق على من يعد ومن نيته ألا يفي بوعده، وهذا أشد من الخُلْفِ؛ لأنه جمع بين الكذب والخلف، كما يصدق على من وعد ومن نيته أن يفي لكن بدا له أن يخلف الوعد من غير عذر، أما من عزم على الوفاء ومنعه مانع فهذا غير ملوم ولا يكون منافقًا وإن جرى عليه ما هو صورة النفاق، ولكن ينبغي للمسلم أن يحترز من صورة النفاق، كما يحترز من حقيقته، ولا ينبغي أن يجعل نفسه معذورًا من غير ضرورة (١).

والوفاء بالوعد من جملة الأخلاق الكريمة التي جاء بها الإسلام وحث عليها وحذر من ضدها. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢)} [الصف: ٢]، وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: ٥٤]. قال القرطبي عن هذه الآية: (صِدْقُ الوعد من خلق النبيين والمرسلين، وضده وهو الخُلْفُ مذموم، وذلك من أخلاق الفاسقين والمنافقين … ) (٢)، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الوفاء بالوعد، وأن إخلافه محرم إلا لعذر، قال ابن العربي: (أجلُّ من ذهب إلى هذا المذهب عمر بن عبد العزيز) وهو وجه في مذهب الإمام أحمد، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (٣)، وهو قول في مذهب المالكية، صححه ابن الشَّاط في حاشيته على "الفروق" (٤).

وما انتشرت ظاهرة إخلاف الوعد والتهاون به إلا من ضعف الالتزام بالأحكام الشرعية وعدم رعاية نصوص الشريعة، وما أمرت به من مكارم الأخلاق، وما حذرت عنه من مساوئ الأخلاق، وانظر إلى ما يترتب على إخلاف الوعد أو التأخر عن الموعد من الانتظار وإضاعة الوقت بالنسبة


(١) انظر: "جامع العلوم والحكم" حديث (٤٨)، "التماس السعد" ص (٨٣، ٨٤).
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" (١١/ ١١٥).
(٣) "الاختيارات" ص (٣٣١)، "جامع العلوم والحكم" حديث (٤٨)، "الفروع" (٦/ ٤١٥)، "فتح الباري" (٥/ ٢٩٠)، "الإنصاف" (١١/ ١٥٢)، "الفتوحات الربانية" (٦/ ٢٦٠).
(٤) انظر: "الفروق" (٤/ ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>