للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (فسوق) مصدر فسق يفسُق بالضم من باب قعد، وبالكسر على لغة حكاها الأخفش (١)، والفسق: الخروج عن طاعة الله ورسوله، تقول العرب: فسقت الرطبة: إذا خرجت عن قشرها. قال ابن عطية: (الفسق في عرف الاستعمال الشرعي: الخروج من طاعة الله عزَّ وجلَّ، فقد يقع على من خرج بكفر، وعلى من خرج بعصيان) (٢). وقال الراغب: (الفسق يقع بالقليل من الذنوب والكثير، ولكن تعورف فيما كان كثيرًا) (٣).

قوله: (وقتاله) صيغة الفعال إما أنها على بابها فهي مصدر قاتله يقاتله إذا حاربه ونازله، أو أنها للمبالغة؛ أي: قتله، والقتل: إزهاق الروح بالضرب أو بغيره، والفرق بين القتال والقتل: أنه في القتال إذا كف المقاتل وجب تركه والكف عنه، بخلاف القتل، ولهذا كل من جاز قتله جاز قتاله، وليس كل من جاز قتاله جاز قتله، وقد تقدم هذا في باب (قتال الجاني) (٤).

قوله: (كُفْرٌ) أي: خروج عن الدين إذا كان مستحلًا له، فإن كان غير مستحلٍّ له لم يخرج به من الإيمان، ولكنه خصلة من خصال الكفر، ويدل عليه قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: ٩] إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُمْ} [الحجرات: ١٠] (٥) فسماهم الله مؤمنين مع وجود الاقتتال، وعبر هنا بالكفر وفي الأول بالفسوق؛ لأن القتال يفضي إلى إزهاق الروح فهو أشد من السباب.

• الوجه الثالث: الحديث دليل على عظم حق المسلم حيث حكم الشرع على أن سب المسلم أخاه وعيبه ووصفه بما يكره أنه فسوق وخروج عن طاعة الله ورسوله، ومفهوم الحديث أن الكافر يجوز سبه إذا كان حربيًّا؛ إذ لا حرمة له، أما المعاهد ففي سبه أذية له، وقد نُهي عن أذيته، فيكون المفهوم


(١) "المصباح المنير" ص (٤٧٣).
(٢) "تفسير ابن عطية" (١/ ١٥٨).
(٣) "المفردات" ص (٥٧٢).
(٤) انظر: (٨/ ٣٥١) من هذا الكتاب.
(٥) انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم" (٢/ ٤١٤)، "التعليق على صحيح مسلم" للشيخ محمد العثيمين (١/ ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>